الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} [القصص: 77] ويضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى لأمته، والقدوة الصالحة الحسنة.

فيلازم الوضوء في عامة أحواله، ولا يخرج من الخلاء فيشتغل بأمر أهم من الوضوء، ويلحظ الصحابة هذه الملازمة، فيظنون التزامها، ويكاد يستقر في نفوسهم وجوبها، لكنه صلى الله عليه وسلم رسول من أنفسنا، عزيز عليه عنتنا، حريص علينا بالمؤمنين رءوف رحيم، كان إذا واظب على أمر خالفه ولو مرة، خشية أن يفرضه الله على أمته فيعجزوا عنه، وليزيل من عقائدهم المشادة في الدين، ووجوب ما ليس بواجب، ومن هذا القبيل ما يحكيه هذا الحديث. لقد خرج من الخلاء، وانتهى من قضاء الحاجة ولم يتجه نحو الوضوء، بل وجد أهله قد أعدوا الطعام فاتجه إليه، فقال أصحابه: يا رسول الله إنك لم تتوضأ كعادتك، ألا تتوضأ قبل أن تأكل؟ فقال: إني لم أقصد الصلاة، وإنما يجب الوضوء عند إرادة الصلاة، وفي الوقت متسع، وإن لبدنك عليك حقا، والدين يسر، فيسروا ولا تعسروا، وإذا حضر العشاء والعشاء فقدموا العشاء على العشاء؛ ولا صلاة كاملة بحضرة طعام. فصلى الله وسلم عليه.

-[المباحث العربية]-

(كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) "على" بمعنى "في" أي في كل أوقاته، وفي جميع أحواله، متوضئا كان أو محدثا، جنبا أو غير جنب، والمقصود من "كل" الغالب والكثير، فلم يكن يذكر حين قضاء الحاجة، ولا وهو مستغرق في النوم مثلا.

(خرج من الخلاء) أصل الخلاء بفتح الخاء الموضع الخالي، وسمي به موضع قضاء الحاجة، لأنهم كانوا يقصدون المكان الخالي للحاجة، وخروجه صلى الله عليه وسلم من الخلاء يشعر بأن هذا الموضع كان ميسورا مهيأ لذلك، حتى يدخل إليه صاحب الحاجة، ويخرج منه.

(فأتي بطعام) التعبير بالفاء للإشارة إلى الترتيب والتعقيب، وعدم الفصل بين الخروج من الخلاء والإتيان بالطعام بوضوء.

(فذكروا له الوضوء) معطوف على محذوف، أي فأقبل على الطعام، فظنوا أنه نسي أن يتوضأ قبل أن يأكل، فذكروه، بأن قالوا له: يا رسول الله. ألا تتوضأ قبل الطعام؟

(فقال: أريد أن أصلي فأتوضأ؟ ) الكلام على الاستفهام، والأصل: أأريد أن أصلي فأتوضأ؟ والاستفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا أريد أن أصلي حتى أتوضأ.

(فجاء من الغائط) "الغائط" في الأصل المنخفض من الأرض في الفضاء، وسمي به موضع قضاء الحاجة؛ لأنهم كانوا يقصدونه للتستر فيه، ومنه هذا الحديث وقوله تعالى: {أو جاء أحد منكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015