لِأَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَى أَعْيَانٍ مُسَمَّاةٍ مُشَاهَدَةٍ، وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا فِيهَا، وَأَمَرَهُ بِرِوَايَةِ مَا تَضَمَّنَتْ مِنْ سَمَاعَاتِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ: تَصَدَّقْتُ لَهُ عَلَيْكَ بِمَا فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ، أَوْ نَحْوَهُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا فِيهِ، فَقَالَ: قَبِلْتُ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: " أَعْطَاهُ إِلَى آخِرِهِ "، عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ لَوْ سَمِعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ كِتَابٍ مَشْهُورٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشِيرَ إِلَى نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَيَقُولُ: سَمِعْتُ هَذَا ; لِأَنَّ النُّسَخَ تَخْتَلِفُ مَا لَمْ يُعْلَمِ اتِّفَاقُهُمَا بِالْمُقَابَلَةِ ; فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ اتِّفَاقُهُمَا كَفَى، وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى إِعْطَاءِ كَذَا، فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ طُلِّقَتْ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ هَذَا قِسْمًا مُسْتَقِلَا يُسَمَّى بِالْإِشَارَةِ، وَيَكُونُ أَيْضًا عَلَى نَوْعَيْنِ كَالْمُنَاوَلَةِ، فَلَا فَرْقَ، ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي صُوَرِ الْعَارِيَةِ مَا يُوَازِي التَّمْلِيكَ بِأَنْ يُنَاوِلَهُ إِيَّاهُ عَارِيَةً ; لِيُحَدِّثَ بِهِ مِنْهُ، ثُمَّ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ، وَ (كَذَا) مِمَّا يُوَازِي الصُّورَةَ الْمَرْجُوحَةَ فِي الْعُلُوِّ (أَنْ يَحْضُرَ الطَّالِبُ بِالْكِتَابِ) الَّذِي هُوَ أَصْلُ الشَّيْخِ أَوْ فَرْعٌ مُقَابَلٌ عَلَيْهِ (لَهْ) أَيْ: لِلشَّيْخِ (عَرْضًا) أَيْ: لِأَجْلِ عَرْضِ الشَّيْخِ لَهُ، وَقَدْ سَمَّى هَذِهِ الصُّورَةَ عَرْضًا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَلِقَصْدِ التَّمْيِيزِ لِذَلِكَ مِنْ عَرْضِ السَّمَاعِ الْمَاضِي فِي مَحَلِّهِ يُقَيَّدُ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ مَا مَعْنَاهُ: (وَهَذَا الْعَرْضُ لِلْمُنَاوَلَةِ وَالشَّيْخُ) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ الشَّيْخَ الَّذِي أُعْطِيَ الْكِتَابَ (ذُو مَعْرِفَةٍ) وَحِفْظٍ وَيَقَظَةٍ (فَيَنْظُرَهْ) وَيَتَصَفَّحَهُ مُتَأَمِّلًا ; لِيَعْلَمَ صِحَّتَهُ وَعَدَمَ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنَّقْصِ مِنْهُ، أَوْ يُقَابِلَهُ بِأَصْلِ كِتَابِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا، كُلُّ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015