الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر كان خيرا وأفضل».
قال النووي في شرح مسلم: هذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك، وأما ما ورد في حديث صلة الرحم تزيد في العمر ونظائره فقد سبق تأويله في باب صلة الأرحام واضحا، قال المازري: هنا قد تقرر بالدلائل القطعية أن الله تعالى أعلم بالآجال والأرزاق وغيرها وحقيقة العلم معرفة المعلوم على ما هو عليه، فإذا علم الله تعالى أن زيدا يموت سنة خمسمائة استحال أن يموت قبلها أو بعدها لئلا ينقلب العلم جهلا، فاستحال أن الآجال التي علمها الله تعالى تزيد وتنقص فيتعين تأويل الزيادة أنها بالنسبة إلى ملك الموت أو غيره ممن وكله الله بقبض الأرواح وأمره فيها بآجال ممدودة فإنه بعد أن يأمره بذلك أو يثبته في اللوح المحفوظ ينقص منه ويزيد على حسب ما سبق به علمه في الأزل وهو معنى قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} وعلى ما ذكرناه يحمل قوله تعالى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ}.
واعلم أن مذهب أهل الحق أن المقتول مات بأجله وقالت المعتزلة: قطع أجله، فإن قيل ما الحكمة في نهيها عن الدعاء بالزيادة في الأجل لأنه مفروغ منه وندبها إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب مع أنه مفروغ منه أيضا كالأجل، فالجواب أن الجميع مفروغ منه لكن الدعاء بالنجاة من عذاب النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة، وقد أمر الشرع بالعبادات فقيل ألا نتكل على كتابنا وما سبق لنا من القدر فقال: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» وأما الدعاء بطول الأجل فليس عبادة وكما لا يحسن ترك الصلاة والصوم والذكر اتكالا على القدر فكذا الدعاء بالنجاة من النار ونحوه والله أعلم. انتهى.