الجوزي في تفسيره: (أن ذلك) يعني ما يجري في السماوات والأرض (في كتاب) يعني اللوح المحفوظ، وقال البغوي: (في كتاب) يعني اللوح المحفوظ، وقال ابن كثير في الكلام على هذه الآية: يخبر تعالى عن كمال علمه بخلقه أنه محيط بما في السموات وما في الأرض فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وأنه تعالى علم الكائنات كلها قبل وجودها وكتب ذلك في كتابه اللوح المحفوظ - ثم ذكر حديث «إن الله قدر مقادير الخلائق» وحديث «أول ما خلق الله القلم» وسيأتي ذكرهما مع الأحاديث إن شاء الله تعالى، وذكر أيضا ما رواه ابن أبي حاتم عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش تبارك وتعالى: اكتب، فقال القلم: وما أكتب، قال علمي في خلقي إلى يوم تقوم الساعة فجرى القلم بما هو كائن في علم الله إلى يوم القيامة فذلك قوله للنبي صلى الله عليه وسلم: «ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض» قال ابن كثير: وهذا من تمام علمه تعالى أنه علم الأشياء قبل كونها وقدرها وكتبها أيضا، فما العباد عاملون قد علمه تعالى قبل ذلك على الوجه الذي يفعلونه، فيعلم قبل الخلق أن هذا يطيع باختياره وهذا يعصي باختياره، وكتب ذلك عنده وأحاط بكل شيء علما وهو سهل عليه يسير لديه ولهذا قال تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}. انتهى.
وقد فرق الله تعالى في هذه الآية الكريمة بين العلم والكتابة فقال: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} فهذه الجملة فيها إثبات العلم، ثم قال تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} هذه الجملة فيها إثبات الكتابة، وفي هذه الآية أبلغ رد على ابن محمود حيث جمع بين ما فرق الله بينه فزعم أن الكتابة عبارة عن العلم القائم بذات الله.