لأهل الفضل أن يقدروا قدر من له قدر ويعرفوا الفضل لأهله ولا يبخسوا الناس مقاماتهم ويترفعوا عليهم بالإفك والبهتان, انظر هذه المسألة وتأمل فيها تعرف الفرق بين أهل زماننا وبين من مضي زمنهم.
قال العلامة ابن العربي في أحكامه: أخبرني محمد بن قاسم العثماني غير مرة, قال: وصلت الفسطاط فجئت مجلس أبي الفضل الجوهري فكان مما قال أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق وظاهر وآلى, فلما خرج تبعته حتى بلغ منزله في جماعة فجلس معنا في الدهليز وعرفهم غيري فإنه رأى شارة الغربة فلما انفض عنه أكثرهم, قال لي: أراك غريبا, هل لك من كلام؟ قلت: نعم, قال لجلسائه: أفرجوا له عن كلامه, فقاموا فقلت له: حضرت المجلس متبركا بك وسمعتك تقول: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقت وطلق وصدقت وظاهر ولم يكن ولا يصح أن يكون لأن الظهار منكر من القول وزور, وذلك لا يجوز أن يقع من النبي صلى الله عليه وسلم فضمني إلى نفسه وقبَّل رأسي, وقال: أنا تائب من ذلك, جزاك الله من معلم خيراً، ثم انقلبت عنه وبكرت في الغد إليه فألفيته قد جلس على المنبر فلما دخلت الجامع ورآني ناداني بأعلى صوته مرحبا بمعلمي, أفسحوا لمعلمي, فتطاولت الأعناق إليَّ وتحدقت الأبصار نحوي - وتعرفني يا أبا بكر؟ يشير إلى عظيم حيائه فإنه كان إذا سلم عليه أحد أو فاجأه بكلام خجل وأحمر كأن وجهه طُلي بجلنار - قال: وتبادر الناس إلي يرفعونني على الأيدي ويتدافعونني حتى بلغت المنبر وأنا لعظيم الحياء لا أعلم في أي بقعة أنا والجامع غاص بأهله وأسال الحياء بدني عرقا وأقبل الشيخ على الخلق فقال لهم: أنا معلمكم, وهذا معلمي، لما كان بالأمس قلت لكم كذا وكذا فما كان أحد منكم فقه عني ولا رد علي فاتبعني إلى منزلي وقال لي: كذا وأعاد ما جرى بيني وبينه، وأنا تائب من قولي بالأمس راجع عنه