للعبد خيرا يناله بالدعاء لم يحصل بدون الدعاء، وما قدره الله وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم فإنما قدره بأسباب يسوق المقادير إلى المواقيت فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات.

ولهذا قال بعضهم: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل، والأعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب فإن المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافيا في حصول النبات بل لابد من ريح مربية بإذن الله، ولابد من صرف الآفات عنه، فلابد من تمام الشروط وزوال الموانع وكل ذلك بقضاء الله وقدره، وكذلك الولد لا يوجد بمجرد إنزال الماء في الفرج، بل كم من أنزل ولم يولد له بل لابد من أن الله شاء خلقه فتحبل المرأة وتربيه في الرحم وسائر ما يتم به خلقه من الشروط وزوال الموانع، وكذلك أمر الآخرة ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة بل هي سبب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» وقد قال: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فهذه الباء باء السبب، أي بسبب أعمالكم، والذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم باء المقابلة كما يقال اشتريت هذا بهذا، أي ليس العمل عوضا وثمنا كافيا في دخول الجنة بل لابد من عفو الله وفضله ورحمته، فبعفوه يمحو السيئات، وبرحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعف البركات.

وفي هذا الموضع ضل طائفتان من الناس، فريق آمنوا بالقدر وظنوا أن ذلك كاف في حصول المقصود فأعرضوا عن الأسباب الشرعية والأعمال الصالحة وهؤلاء يؤول بهم الأمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015