عندما نقول: هذا الشيء لازم له كذا، يعني: مترتب عليه، ودلالة الاقتضاء مثل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فليس المعنى رفع الخطأ والنسيان؛ لأن هذه الأمور واقعة لا محالة، لكن المراد شيء مضمر فنقدره هنا ونقول: رفع عن أمتي المؤاخذة على الخطأ والنسيان والإكراه، وهذه هي دلالة الاقتضاء وهي من دلالات اللزوم.
وكذلك في حديث سهو النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فسأله الأعرابي: (أقصرت الصلاة؟ أم نسيت؟ فقال: كل ذلك لم يكن)، لا بد أن نقدر: لم يكن في ظني أو في وهمي، وإلا كان الكلام مخالف للحقيقة؛ ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه (أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم.
فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وصلى ركعتين وسجد للسهو).
قال: (لاستدعائه التوحيد بالاقتضاء، واستدعائه إثبات الرسالة باللزوم)، المعنى: أنه من أجل أن توحد الله سبحانه ومن أجل أن تعبده؛ لا بد أن يبين لك كيف تكون العبادة التي يريدها الله سبحانه، ويلزم من ذلك أن الذي علمك هذه العبادة أن يكون رسولاً لرب العالمين سبحانه.
إذاً: معنى كلامه (استدعاء إثبات الرسالة باللزوم) أي: اللازم في توحيدك لله سبحانه أنك عرفت كيف توحده عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو الذي علمك العبادة فكان اللازم بذلك إثبات الرسالة للرسول صلوات الله وسلامه عليه.
قال: (وهو كقولك: من توضأ صحت صلاته)، أي: لا يمكن أن تصح الصلاة بالوضوء وحده، ولكن معنى ذلك: أنه توضأ وصلى وأتى في الصلاة بالأركان والشروط والهيئات المطلوبة.
إذاً: هنا اكتفى بذكر شيء عن غيره من الأشياء اللازمة له.
وهذه دلالة اللزوم.
ومن المعلوم أن أنواع دلالة اللفظ ثلاثة: دلالة مطابقة ودلالة تضمن ودلالة التزام.
فالدلالة بالمطابقة: أن يطابق اللفظ الصورة الموجودة، فإذا قلنا: إنسان؛ عرف أن له وجهاً وجسداً.
وكذلك إذا قلنا: بيت فلا بد أن توجد أرض وحيطان.
إذاً: ودلالة التضمن كأن نقول: إن هذا بيت، فالسقف داخل في البيت ضمناً ونقول: البيت يتضمن السقف.
فإذا أشرت للسقف وقلت: هذا بيت، معناه: أنه من ضمن أجزاء البيت هذا السقف.
ودلالة الألتزام كأن أقول: هذا سقف، فيلزم من ذلك وجود الحائط؛ لأن السقف لن يُرفع إلا على حائط موجود.