في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] رد على الخوارج الذين يكفرون مرتكب الكبيرة.
وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من السبع الموبقات المهلكات وأولها الشرك بالله.
فمنطوق الآية أن الشرك كفر بالله غير مغفور لصاحبه، هذا لمن لم يتب، ولكن من تاب إلى الله فلا يوصف بأنه مشرك، فمعنى الآية: أنه يموت على الشرك قال تعالى: {َمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة:217].
قال سبحانه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، منطوق هذا الجزء من الآية أن غير الشرك من الذنوب يغفره الله سبحانه وتعالى.
فهذه الآية مع الحديث الذي ذكر فيه الكبائر يفهمان أن الكبائر يغفرها الله.
ولم يقل في هذه الآية: لمن تاب، فدل على أن من تاب ومن لم يتب كلاهما تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى.
لكن من تاب إلى الله توبة نصوحاً يغفر الله له يقيناً، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]، فمن تاب أفلح بنص القرآن.
وفي الحديث: (التوبة تجب ما قبلها)، وبقي من لم يتب من الذنوب كبائرها وصغائرها فالآية في منطقوها أن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء.
إذاً: هنا قد يغفر الكبائر لبعض الناس ولا يعذبهم، وقد يعذبهم ثم يتغمدهم برحمته ويدخلهم الجنة، فهم تحت المشيئة، قال {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ لِمَنْ يَشَاءُ} [المائدة:18].
ففي هذه الآية رد على الخوارج المكفرين بالذنوب، وعلى المعتزلة القائلين بأن أصحاب الكبائر يخلدون في النار.
قال المعتزلة: الناس صنفان: كافر في النار، ومسلم في الجنة، أما صاحب الكبيرة فهو بين هذا وهذا، ويوم القيامة يكون في النار، فوافقوا الخوارج على أن صاحب الكبيرة في النار.
ولكن أهل السنة يقولون: هو في خطر المشيئة إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه.