ذكر الأدلة الواردة في الخوف من الشرك من الكتاب والسنة

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب الخوف من الشرك، وقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، وقال الخليل عليه الصلاة والسلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:35]، وفي الحديث (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال: الرياء)، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار)، رواه البخاري.

ولـ مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)) هذا الباب الرابع من كتاب التوحيد وفيه الخوف من الشرك.

وكل إنسان مسلم يخاف على نفسه من أن يشرك بالله سبحانه وتعالى، لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فالشرك أعظم جريمة يقع فيها الإنسان في حق الله سبحانه؛ ولذلك لا يغفره الله تعالى.

أما ما دونه من الذنوب ولو كان من الكبائر فالله عز وجل يغفرها قال تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فلما ذكر هنا الشرك -الذي هو أكبر الكبائر- ذكر أن غيره من الذنوب يغفرها الله سبحانه وتعالى.

وإذا تاب العبد فيقيناً أن يغفر الله له ذنوبه وكبائره، أما إذا لم يتب فهو تحت المشيئة إن شاء الله تاب عليه، وإن شاء عذبه.

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية الشرك وبعض الكبائر بالموبقات المهلكات فقال: (اتقوا السبع الموبقات المهلكات، قيل: وما هن يا رسول الله! قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).

فهذه كبائر عظيمة وأعظمها الشرك بالله تبارك وتعالى.

يقول ابن القيم رحمه الله: إن الله تعالى أخبر أنه لا يغفر لمن لم يتب من الشرك، أما ما دونه من الذنوب؛ فيغفرها الله وذلك يوجب للعبد شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه؛ لأنه أقبح القبيح، وأظلم الظلم أن يظلم الإنسان نفسه بالشرك بالله سبحانه تبارك وتعالى؛ لأن فيه تنقيص من رب العالمين سبحانه، وصرف خالص حق الله عز وجل لغيره.

وفيه العدل فيعدل بربه غيره قال سبحانه: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]، يعني: يجعلون معه من يعادله، حاشا لله سبحانه وتعالى.

ذلك لأن الشرك ناقض للمقصود بالخلق والأمر، فالله عز وجل وحده التفرد بالخلق، وله وحده الأمر قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54] فكما أنه تفرد بخلق المخلوقات جميعها كذلك تفرد بالأمر والتشريع؛ فهو الذي يأمر وهو الذي ينهى سبحانه وتعالى.

يقول ابن القيم رحمه الله: (لأنه مناقض للمقصود بالخلق والأمر، مناف له من كل وجه، وذلك غاية المعاندة لرب العالمين، والاستكبار عن طاعة الله سبحانه، والذل له والانقياد لأوامره الذي لا صلاح للعالم إلا به.

فمتى قال ذلك خربت الديار وقامت القيامة).

فاستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله)، فإذا صار الكفار فقط على وجه الأرض خربت الدنيا، ومن ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق يتهارجون تهارج الحمر)، ومعنى يتهارجون قيل: يتقاتلون، وقيل: يقع بعضهم على بعض في الزنا واللواط ويقتل بعضهم بعضاً، فهذا هو الهرج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015