عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) أخرجاه.
يعني: البخاري ومسلماً.
وفي هذا الحديث بيان أن كلمة التوحيد من الإيمان بالله سبحانه، فتؤمن بالله وتؤمن برسل الله سبحانه وتعالى على ما قاله ربنا في كتابه، وما ذكره لنا النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أصول الإيمان: الإيمان بالجنة، والإيمان بالنار.
والإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، وذكر في هذا الحديث بعضاً منها فقال: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله) وفرق بين أن يشهد (أن لا إله إلا الله) وبين أن يقولها؛ فقد يقولها معتقداً لها، وقد يقولها غير معتقد لها، ولذا قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]، وقال في الحديث: (من شهد أن أن لا إله إلا الله)، والشهادة مأخوذة من المشاهدة، يقال: شهد أي: نظر بعينه فرأى.
إذاً: ليس الأمر ظنياً بل أمر يقين، ولذلك يشهد الشاهد على ما يستيقنه، ولا بد أن يكون قد شاهد الشيء ببصره، أو استيقن بحواسه من هذا الشيء الذي يشهد عليه؛ فلذلك تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، والأحاديث التي جاء فيها: (من قال لا إله إلا الله) مقصود بها الشهادة، أي: قالها مستيقناً من قلبه مخلصاً لله عز وجل بما يقول، كما أنك تشهد على الشيء الذي تراه، تقول: أشهد أن فلاناً فعل كذا وكذا، أي: رأيت هذا الإنسان وأنا على يقين مما أقول.
وعندما تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فأنت لم تر الله، ولكن تقول: أنا مستيقن من ذلك كالذي يرى بعينه، فأنا على علم يقين بأنه لا إله إلا الله، وأنه هو الله وحده الذي يستحق العبادة ولا يستحقها أحد غيره، وهذه الكلمة فيها نفي وفيها إثبات.
وهناك فرق بين أن يقول: من شهد أن الله إله ومن شهد أن لا إله إلا الله: فمن شهد أن الله إله قد يشهد أن غيره إله فلم ينف شيئاً، ولكن لا بد أن يقول: لا إله إلا الله، (لا) نفي للجنس، (إله) جنس الآلهة يعني: أنا أنفي وجود حق لأي إله من الآلهة، إلا الإله الواحد، وهو الله سبحانه وتعالى.
وهذا معنى كلمة التوحيد: أشهد أن لا إله إلا الله، أي: أنني مستيقن أن المعبود واحد لا شريك له.
أما غيره من الآلهة وإن وردت فهي باطلة.
والإله قد يكون وثناً وصنماً وقد يكون هوىً، وقد قد يكون شيطاناً، قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:43] فعبدوا الهوى من دون الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} [مريم:81] فعبدوا آلهة من دون الله، وهذا هو الشيء الذي أشرك المشركون بالله سبحانه وتعالى فيه.
أي: فهم لم يشركوا بالله عز وجل في كونه يخلق أو يرزق، بل هم يعلمون أن الله وحده هو الذي يفعل ذلك؛ ولذلك جاء عند الترمذي أن عمران بن حصين يذكر عن أبيه حصين أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا حصين! كم تعبد في اليوم إلهاً؟ قال: سبعة.
ستة في الأرض وواحداً في السماء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء).
فهو يعلم وهو كافر أن الذي ينفع ويضر هو الله الذي في السماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا حصين، أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك! فلما أسلم حصين قال: يا رسول الله، علمني الكلمتين اللتين وعدتني، قال: قل: اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي) والحديث من رواية الحسن البصري عن عمران بن حصين وقيل: إن الحسن البصري لم يسمع من عمران إلا أحاديث قليلة، فعلى ذلك يكون الحديث منقطعاً، لكن له شاهد عند البزار بإسناد فيه ضعف، فيشهد لهذا الحديث، أو يتابعه ويقويه، فالحديث حسن لغيره.
ففيه أن الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم: كم تعبد من إله؟ قال: سبعة، فالكفار كانوا يعلمون أن الإله الواحد الذي يخلق ويرزق وينفع ويضر هو الذي في السماء، ويعرفون أن الله في السماء، ولذلك قال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: الذي ينفع ويضر هو الذي في السماء، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: لو أنك أسلمت علمتك دعاءً، فأسلم الرجل بعد ذلك، قال: (قل: اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي).