اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب أو يدخل أحداً من الخلق الجنة بمشيئته

وكذلك اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، ومسألة اعتقاد علمه الغيب فيها تفصيل: فإذا كان الإنسان يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لكونه نبياً أطلعه الله عز وجل على بعض الأشياء الغيبية فهذا صحيح، فقد أطلعه الله عز وجل على أشياء من علم غيبه سبحانه فرأى الجنة عليه الصلاة والسلام، ورأى النار وعرج به إلى السماء، فلا مانع من اعتقاد هذه الأشياء، بل من أصول هذا الدين أن يعتقد المسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول رب العالمين، نزل عليه الوحي من السماء، ونزل عليه القرآن، نزل به جبريل من اللوح المحفوظ في السماء، فهو كونه نبياً قد مكنه الله عز وجل من أن يرى جبريل وأن ينظر إلى الجنة وأن ينظر إلى النار.

وأما إذا كان يعتقد أن الغيوب التي حجبها الله سبحانه في قوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34]، إن كان يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمها أيضاً فهو يكذب كتاب رب العالمين سبحانه الذي يقول: ((إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ)) والذي يعتقد ذلك إنسان مشرك ضال.

فكل نبي من أنبياء الله اسمه نبي، وصفته نبي، وكلمة نبي مأخوذة من النبوءة، والنبوءة هي: الإخبار بالمغيب، فالأنبياء يخبرون عن غيب، ويخبرون عن الله سبحانه وتعالى، والله غيب سبحانه، ويخبرون عن صفاته سبحانه وهي غيب بالنسبة لنا، فالذي يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أشياء من الغيب مثل: صفات الله الغيبية، فهذا صحيح، فهو قد علمها وبلغنا إياها، وقد عرفناها نحن أيضاً بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه من الغيوب التي أطلع الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عليها وبلغها للأمة.

أما أن يعتقد أنه صلى الله عليه وسلم يعرف الغيب الذي اختص الله به نفسه، فهذا من الشرك بالله سبحانه؛ لأن الله اختص بذلك لنفسه، ولم يطلع أحداً على ذلك، لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً.

ومن الشرك بالله اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز السجود له، مع نهيه عن ذلك صلوات الله وسلامه عليه، أو أنه يملك الغوث -لمن يطلب منه ذلك- من دون الله سبحانه وتعالى، أو أنه يقضي حوائج السائلين.

وانظروا للجارية لما قالت في شعرها: وفينا نبي يعلم ما في غد أنكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لا يعلم ما في غد إلا الله)، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) صلوات الله وسلامه عليه.

يقول: كذلك من يعتقد أنه صلى الله عليه وسلم يفرج كربات المكروبين، وأنه يشفع فيمن يشاء، فهو يشفع صلى الله عليه وسلم ليس فيمن يشاء هو، لكن فيمن يشاء الله سبحانه، يقول تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]، لاحظ الفرق الدقيق بين الاثنين، فالله عز وجل يشفع ونبيه صلى الله عليه وسلم يشفع ويشفع المؤمنون، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع لمن قال له الله عز وجل: اشفع فيهم، ولمن حددهم له ربه سبحانه ممن مات لا يشرك بالله، فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم في هؤلاء، فلذلك قال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]، لا نبي ولا ولي ولا أحد أبداً يشفع عند الله إلا بإذنه.

إذاً: ليس بمشيئته عليه الصلاة والسلام، ولكن بمشيئة رب العالمين حيث أذن له وقال: (اذهب فأخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) إذاً: بإذن الله سبحانه وبمشيئته وليس بمشيئة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا يتبين لنا كذلك من حديث الشفاعة، كيف أنه يتوجه إلى ربه ويسجد تحت عرشه، فلما يسجد يتركه الله سبحانه وتعالى ما شاء أن يتركه، لبيان عزة رب العالمين سبحانه، ولبيان أنه وحده الذي يملك أن يأذن في الشفاعة أو عدمها.

ثم يفتح على نبيه صلى الله عليه وسلم بمحامد يعلمه إياها لا يعرفها الآن، ولكن يوم القيامة يلهمه الله كيف يحمده فله الفضل أولاً وآخراً سبحانه وتعالى.

فهذا المقصود من كلام ابن عبد الهادي.

ومن الشرك قوله: ويدخل الجنة -أي النبي صلى الله عليه وسلم- من يشاء، فالله سبحانه هو الذي يملك أن يدخل من يشاء الجنة وأن يدخل من يشاء النار، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يعطيه الله عز وجل الشفاعة، ويحد له حدوداً أنه في الوقت كذا اشفع لهؤلاء، وأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم يقول في النهاية: (شفع أنبيائي وشفعت ملائكتي، وشفع الأولياء ولم يبق إلا أرحم الراحمين -سبحانه وتعالى- فيقبض قبضة من أهل النار قد استوجبوا العذاب ويدخلهم الجنة سبحانه وتعالى) فهؤلاء ما شفع فيهم نبي ولا ولي ولا ملك ولا غيره، ولكن أرحم الراحمين سبحانه وتعالى أدخلهم الجنة بفضله وبرحمته سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015