أسباب المروق من الدين هي ذاتها في القديم والحديث

وقال رحمه الله في رسالته السنية: فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ممن انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضاً من الإسلام لأسباب منها الغلو في بعض المشايخ، ومنها الغلو في علي بن أبي طالب والغلو في المسيح عليه السلام، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الألوهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان! انصرني، أو أغثني، أو ارزقني، أو أنا في حسبك ونحو هذه الأقوال، فكل هذا شرك وضلال، إلى آخر كلامه رحمه الله.

فالغرض هو بيان أنه وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من دخل في الإسلام ومرق منه كالمنافقين، أمثال عبد الله بن أبي ابن سلول، فقد دخل في الإسلام ثم كان في قلبه النفاق والغل والحقد على الإسلام، فلم ينفعه إسلامه.

فكون الإنسان قال: لا إله إلا الله، ليس معناه أنه بهذه الكلمة -سواء فهم معناها أو لم يفهم معناها- ليس من الممكن أن يخرج من هذا الدين، بل من الممكن أن يخرج من الدين بأن يأتي ما يناقض الدين، ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن أبي ابن سلول وأمثاله من المنافقين: لا إله إلا الله، ولم تنفعهم هذه الكلمة بسبب ما حوت قلوبهم من شرك وكفر بالله، وبغض للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين.

فكذلك في أي عصر من العصور يوجد المنافقون الذين يقولون: لا إله إلا الله، ويضمرون البغض للإسلام والمسلمين، فلا يقال لهم مسلمون، ولكن يقال مرقوا من دين الله عز وجل.

كذلك إذا وجد من يقول: لا إله إلا الله ثم وقلد المشركين، فالمشركون كانوا يعبدون غير الله ظاهراً وباطناً، والمنافقون كانوا يعبدون الله ظاهراً، وفي الباطن يكفرون بالله سبحانه، فإذا كان الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر قد قال الله فيه أنه منافق في الدرك الأسفل من النار، فكيف بالإنسان الذي يظهر الإسلام ويظهر معه الشرك بالله سبحانه وتعالى، كهؤلاء الذين يغالون فيما يتقربون إليه من دون الله سبحانه وتعالى فيقولون: يا سيدي فلان! أعطني شيئاً.

وهذا الشيء لا يطلب إلا من الله سبحانه.

فالإنسان لو أنه طلب من إنسان حي شيئاً يملكه فأعطاه أو منعه فلا يقال: هذا شرك، كما لو ذهب إنسان إلى إنسان وقال: يا سيدي! أعطني كذا، فإنه لا شيء عليه، أما إذا توفي هذا الإنسان وجاء رجل يقول: يا سيدي فلان! أعطني كذا.

فكيف يعطيه وهو لا يملك لنفسه شيئاً؟ وكيف يعطيه شيئاً وهو لا يملكه؟ فيقول لنا هنا: إن كثيراً ممن يزعمون أنهم على التوحيد، وأنهم أهل صوفية وغير ذلك، يتوسلون بغير الله، ويتقربون إلى غير الله سبحانه، بل وقد يذبحون لغير الله وينذرون له، وهذا مشاهد كثيراً، فترى أحدهم يقول: يا سيدي فلان! أعطني كذا لله علي أن أذبح لسيدي فلان كذا وكذا، فهم وجهوا العبادة -التي لا تكون إلا لله- إلى غير الله سبحانه.

فقال: كالغلو في بعض المشايخ.

بل والغلو في علي بن أبي طالب، فـ علي بن أبي طالب، وجد من غلا فيه وزعم أنه إله من دون الله، أو أنه هو الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فحرقهم علي بن أبي طالب في زمنه؛ لأنهم ألهوه من دون الله سبحانه، وجاء من بعدهم من غلاة الشيعة من يزعم أن علياً إله، وأن الناس فيها أسماء وفيها صفات، وأن الاسم علي والحقيقة أنه الإله تعالى الله عز وجل عما يقولون علواً كبيراًَ.

وكذلك الغلو في المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فقد زعم النصارى أنه الله، أو أنه ثالث ثلاثة، ثم زعموا له أشياء لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى، فكل من غلا في نبي، أو في رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الإلهية مثل أن يقول: يا سيدي فلان! انصرني أو أغثني أو ارزقني، فهذا كله من الشرك بالله سبحانه وتعالى.

فالذين دعوا غير الله سبحانه، قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، فزعموا أن الذي يملك النفع والضر هو الله، وأنهم ما يعبدون هؤلاء إلا ليقربوهم إلى الله سبحانه، والله عز وجل قال في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك) لا يريد هذه العبادة التي تكون لله ولغير الله سبحانه، فالله عز وجل يقبل من العبادة ما كان موجهاً إليه وحده سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015