وأمثلة دعاء المسألة في القرآن أكثر من أن تحصر، فأنت حين تقول: يا رب! اكشف عني هذا الضر، فهنا كأنك تقول: يا ربي! أنا أوحدك، وأنا أعبدك، وأنا مستيقن أنك وحدك الذي تملك ذلك، ولذلك أنا أتوجه إليك.
ويدخل في هذا جميع أنواع التوحيد: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، فأنت تجمعها عندما تقول: يا رب! أعطني، لا يملك أن يعطي إلا أنت، ولا يملك كشف الضر إلا أنت، فأنا أتوجه إليك بهذا الدعاء.
فأنت عندما قلت: يا ربي! أتيت بتوحيد الربوبية، فهو وحده الرب الذي يملك ذلك.
ولما قلت: أنا أتوجه إليك فأعطني.
فيه توحيد الألوهية، ولما قلت: إنه لا يملك أن يعطي إلا أنت ولا يملك أن يمنع إلا أنت، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فهذا إقرار بصفاته سبحانه وهي أنه سبحانه الملك الذي يخلق والذي يرزق والذي يغفر سبحانه وتعالى، فلذلك دعاء المسألة يتضمن العبادة، وإن لم يكن في دعائك ذكر العبادة، إنما مقتضى دعاء المسألة أنك تعبد الله سبحانه وتعالى؛ لأنك توجهت إليه وحده.
وقال سبحانه على لسان خليله إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ} [مريم:48 - 49]، قال: أعتزلكم وما تدعون، فذكر الدعاء وذكر العبادة، وكأنه يقول: الدعاء يتضمن العبادة، فاعتزلهم إبراهيم وقال: {وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ} [مريم:48 - 49]، فالدعاء كان عبادة لغير الله بفعلهم، وعبادة لله بفعل إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فصار الدعاء من أنواع العبادة.
قال: وضابط هذا: أن كل أمر شرعه الله لعباده وأمرهم به ففعله لله عبادة، فإذا صرف من تلك العبادة شيئاً لغير الله فهو مشرك مصادم لما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من قوله: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر:14].