واللعن: هو الطرد من رحمة رب العالمين سبحانه، فإذا لعن الله أحداً فيكون قد حكم عليه بأنه مطرود من رحمته سبحانه، فاللعن: هو البعد عن رحمة الله سبحانه.
وقالوا أيضاً: الإنسان اللعين والإنسان الملعون هو الذي استحق ذلك، وأصل اللعن كما يقول أبو السعادات بن الجزري: الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السب والدعاء.
فاللعن بين الناس هو السب، وكلمة اللعن كلمة خطيرة جداً، فالإنسان الذي يقول لإنسان آخر: لعنك الله، هذه اللعنة تضيق عنها أرجاء الأرض والسماء، فالكلمة تخرج من فم هذا الإنسان فلا تجد لها مكاناً، فتصعد إلى السماء فلا تجد مكاناً، وتنزل إلى الأرض فتضيق عنها الأماكن، فليس هناك إلا اثنان: القائل والمقول له، فإما أن يكون هذا الملعون يستحق أن تنزل عليه هذه الكلمة فتصيبه، وإما أنه لا يستحقها فترجع على قائلها، إلا أن يكون الذي قال ذلك هو رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فبينه وبين الله عز وجل عهد أنه أيما إنسان لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو دعا عليه وكان لا يستحق ذلك تحولت هذه اللعنة إلى رحمة من الله سبحانه، وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فإذا لعن أحداً ففيه ما ذكرنا.
والله عز وجل قد لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً، وأخبر باللعن على أقوام، فهل يجوز للإنسان أن يلعن هؤلاء الأقوام بأعيانهم أم بعمومهم؟ اختلف العلماء في ذلك، يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ} [الأحزاب:64]، إذاً فالكافر ملعون، لكن هل أقول لفلان الكافر: لعنة الله عليك؟ اختلف العلماء في ذلك، فرجح بعضهم الجواز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، والبعض الآخر من العلماء قالوا: الأحوط ترك ذلك؛ لأنك لا تدري فعلك تدعو عليه باللعنة والطرد من رحمة الله ثم هو يموت على غير ذلك، فلعله يسلم بعد ذلك فيموت على الإسلام، فلا تدعو على أحد بعينه باللعنة، فلعل هذا الإنسان يرحمه الله عز وجل ويتوب، وكم من أناس كانوا في الجاهلية كفاراً ومن أشد المؤذين للنبي صلى الله عليه وسلم ثم تاب الله عز وجل عليهم بعد ذلك فأسلموا.
قالوا: ولا تقس نفسك على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يلعن من علم أن الله عز وجل قد لعنه، وهو لا ينطق عن الهوى، فإذا لعن إنساناً وكان هذا الإنسان يستحق ذلك فهو ملعون، وإن كان لا يستحق ذلك فهذا اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، وتحول هذه اللعنة عند الله عز وجل إلى رحمة على هذا الإنسان.
إذاً: فالراجح في ذلك أنك لا تدعو على أحد بعينه باللعنة، ولكن إذا لعنت فقل: لعنة الله على الكافرين، أو تلعن أشخاصاً قد لعنهم الله عز وجل وماتوا على ذلك كـ أبي لهب وأبي جهل وغيرهم من الذين من قبلهم، كقوم فرعون وجنوده، وهامان وقارون، فقد ماتوا على ذلك، وقد ذكر الله سبحانه في كتابه أنهم من رءوس الكفر، فيجوز أن نلعن هؤلاء، وأما الأحياء فإن كانوا على الكفر وما زالوا أحياءً فلعلهم يموتون على الكفر، ولعلهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل، إذاً فلا داعي للعنهم بأعيانهم، وكذلك الظلمة تقول فيهم: لعنة الله على الظالمين، ولعنة الله على المجرمين، ولعنة الله على الكافرين، لكن لا تلعن إنساناً بعينه.