هذا الباب هو الباب العاشر من كتاب التوحيد، وفيه ما جاء في الذبح لغير الله تبارك وتعالى، أي: ما حكم أن يذبح إنسان لغير الله سبحانه؟ فذكر قول الله سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162 - 163].
فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك، أي: إن عبادتي كلها وحياتي كلها ومماتي كله لله رب العالمين سبحانه، {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:163].
(قُلْ إِنَّ صَلاتِي (وهي نوع من أنواع العبادات كالصوم والزكاة والحج وغيرها من العبادات، وهي من أركان الإسلام، بل هي أعظم أركان الإسلام بعد التوحيد.
قوله: (وَنُسُكِي) النسك: هو الذبح، فمن أعظم العبادات الصلاة والذبح، والصلاة عبادة بدنية والذبح عبادة مالية، فمن أعظم ما يكون من عبادات البدن الصلاة، ومن أعظم ما يكون من العبادات المالية الذبح لله سبحانه، فخص ثم عمم بعد ذلك، يعني: ليست هذه العبادة فقط، بل كل عباداتي لله رب العالمين سبحانه، ومحياي كله لله، فأحيا مطيعاً لله، عاملاً لله، عابداً لله، فمماتي يملكه الله، ومرجعي إلى الله سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام:162] النسك قال مجاهد: هو الذبح في الحج والعمرة.
وقال غيره من العلماء كـ سعيد بن جبير: النسك الذبح سواء كان في حج أو في عمرة أو في أضحية أو في غير ذلك من نذر ونحوه، وهذا لا يكون إلا لله سبحانه.
قوله: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} [الأنعام:162] أي: وما آتيه في حياتي من أعمال وعبادات وما أموت عليه، فإن ذلك لله رب العالمين.
وقوله: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] لها معانٍ، فالذي أحياني هو الله رب العالمين، والذي أعمل له ويعينني على هذا العمل الله رب العالمين، والذي أخلص له عملي وأتوجه إليه بعبادتي هو الله رب العالمين، فهذا في محياي.
ومحيا وممات على وزن مفعل وهو مصدر ميمي، ومعناهما: حياتي ومماتي، فالحياة والموت كلها لله رب العالمين سبحانه، فمماتي يملكه الله سبحانه، والحساب بعد الممات والجزاء والثواب والعقاب بيد الله.
وأيضاً مماتي ما أموت عليه في وقت وفاتي، فأموت على كلمة التوحيد وأموت على الإخلاص لله رب العالمين.
قوله: (لله) هذا توحيد الألوهية، فالله وحده أتوجه إليه.
قوله: (رب العالمين): فيه توحيد الربوبية، فالذي أفعل ما يريد والذي أحياني والذي أماتني، والذي شرع لي فأطعته في ذلك هو الرب سبحانه لا شريك له في ألوهيته ولا في ربوبيته، ولا شريك له في أسمائه وصفاته العلا سبحانه.