يقول الإمام الخطابي رحمه الله: كان عليه الصلاة والسلام قد رقى ورقي، فرقته في مرضه السيدة عائشة فكانت تأخذ بيديه صلى الله عليه وسلم وتنفخ فيهما بـ ((قل هو الله أحد)) و ((قل أعوذ برب الفلق)) و ((قل أعوذ برب الناس)) وتمسح جسده بيده الكريمة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الرقية وأجازها، وقد استرقوا لبني فلان من العين، فأمر أن يرقوهم.
فإذا كانت الرقية بالقرآن أو بأسماء الله تعالى فهي مباحة أو مأمور بها، وإنما جاءت الكراهة والمنع فيما كان منها بغير لسان العرب؛ لأنه ربما كان كفراً أو قولاً يدخله شرك.
يقول الشارح: ومن ذلك ما كان على مذاهب الجاهلية التي كانوا يتعاطونها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: كل اسم مجهول فليس لأحد أن يرقي به فضلاً عن أن يدعو به، وذلك كما يسمع من بعض الصوفية كلمات غير مفهومة في الرقية فتجد البعض يرقي ثم يقول: هذه البرهاوتية الصغرى أو البرهاوتية الكبرى، وهذه فيها اسم الله الأعظم، ولو فرضنا أن فيها اسم الله الأعظم سبحانه وتعالى فما الذي يجبرك على أن تدعو بها وليست بلغتك؟ وما يدريك أن فيها اسم الله الأعظم وأنت لا تفهم لغة هؤلاء، فقد تكون أدعية بالسريانية كما يذكر الشارح هنا حيث يقول: وذلك مثل قول أرباب الصوفية في أورادهم كركداً دهده أصبأ أهيا شراهية جلجلوت.
وهذه كلمات لو فرضنا أن لها معنى عند أهلها، فما يدرينا أن هذا المعنى ليس من الكفر والاستعانة بغير الله سبحانه.
والقرآن قد جاء فمنعنا أن نأخذ من غيره، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتاباً أو صحيفة كتبها له بعض اليهود، قال: ما هذه؟ قال: صفحة من التوراة كتبها لي فلان أتعظ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم منكراً عليه: (أترجون أن يهدوكم وقد أضلهم الله)، أي: كيف يهدونكم وقد أضلهم الله، (والذي نفسي بيده! لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني)، وذلك أن القرآن قد نسخ كتاب موسى والكتب التي في أيدي اليهود، وفيه أضعاف أضعاف ما فيها من الحق، والحق الذي فيها منسوخ بالقرآن، فلا يجوز لإنسان مسلم أنه يتعاطى مثل هذه الرقى التي بغير كتاب الله سبحانه وبغير اللغة العربية.
يقول السيوطي رحمه الله: قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: الأول: أن تكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته.
الثاني: أن تكون باللسان العربي، فلا تجوز الرقية بما كان في التوراة من لغة سريانية.
الثالث: أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، أي: أنت ترقي ولكن الذي ينزل الشفاء هو الله سبحانه وتعالى، فإذا شاء شفاه، وإذا لم يشأ لم يشفه، وعلى قدر يقين الراقي على قدر ما يأتي من فرج الله وفضله سبحانه وتعالى، وهذا من أهم الأشياء التي ينبغي أن تعتقد في الرقية.