يقول: (وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً)، أي: إذا أصبت بمصيبة فاصبر لأنك لا تملك شيئاً غير الصبر، فإذا تضجرت أو جزعت فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع).
وإذا صبرت فإن لك أجر الصبر، وإن جزعت فلن تنتفع بشيء، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: إن الإنسان إما أن يصبر صبر الكرام، وإما أن يسلو سلو البهائم، فالإنسان الكريم يبتلى فيتجلد ويصبر؛ لأنه يعرف أنها أزمة وستمر، ولا يوجد أزمة تبقى دائماً، فالله سبحانه سوف يزيحها عنه؛ لأنه يتوكل على الله ويعتصم به، فهذا هو صبر الكرام.
وإما أن تسلو سلو البهائم، معنى ذلك: أن البهيمة إذا ضربها صاحبها فإنها تصرخ وفي النهاية تسكت وتنسى بعد ضرب وصراخ كثير، فهذا سلو البهائم، وهكذا فالإنسان بين الاثنين إن صبر فله الأجر عند الله، وإن جزع فله الجزع.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن في الصبر على ما تكره)، ما يكرهه الإنسان ينبغي أن يصبر عليه، أما ما يحبه فإن حبه له سيدفعه إلى الصبر عليه، ولكن الصبر على المكروه فيه الخير والأجر الكثير.
قال صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)، هذه أشياء جعلها الله عز وجل معلقة على أشياء أخر، فإذا صبرتم نصركم الله وإذا اشتد الكرب جاء الفرج من عند الله سبحانه، ولذلك كانوا يقولون: اشتدي أزمة تنفرجي، أي: كلما تشتد الأزمة ويضيق الأمر يقترن الفرج وتحين النهاية، ويقول ربنا سبحانه: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5 - 6]، فكلما جاء العسر جاء معه يسران؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5]، فالعسر أتى معرفاً باللام في الآية الأولى والثانية فهو هو، أما اليسر فقد جاء منكراً في الآيتين هذا يسر وهذا يسر آخر، ولذلك جاء في الحديث: (لن يغلب عسر يسرين).