النجاة في الاعتصام بحبل الله

قال صلى الله عليه وسلم: (رفعت الأقلام وجفت الصحف)، (رفعت الأقلام)، يعني: على ما انتهى من علم الله سبحانه وتعالى، وهو أن فلاناً يعيش قدر كذا، ويموت في يوم كذا، ويفعل كذا وكذا، فكل شيء هو فاعله إلى أن يموت قد كتب عند الله سبحانه وتعالى في اللوح المحفوظ، و (جفت الصحف)، أي: بما هو كائن ومكتوب، فما سيفعله ويقوله كله مكتوب عند الله لن يزداد في قوله ولا عمله شيء فوق ما كتبه الله سبحانه في كتابه.

وفي رواية أخرى للإمام أحمد بسند حسن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك)، وفي الرواية الأولى: (تجده تجاهك)، والمعنى واحد، (تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة)، فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلم الصبي الصغير أن يتعرف إلى الله في الرخاء وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سرك أن يستجاب لك في البلاء فأكثر من الدعاء في الرخاء)، رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله، وفيه أنك إذا أحببت أن يستجيب الله عز وجل لك عندما تنزل بك بلية أو مصيبة فأكثر من الدعاء وعود لسانك عليه في وقت رخائك، ولا تتركه أبداً لا في رخاء ولا بلاء، فإذا كنت على ذلك فالله عز وجل يستجيب لك.

وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: (تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة)، أي: تعرف إلى الله في الرخاء والله يعرفك في كل وقت، ومعنى المعرفة هنا: أنك في الرخاء إذا أكثرت من الطلب والعبادة ففي وقت شدتك لا يتركك الله عز وجل ترك المنسي، ولن يعاملك معاملة المنسيين، فعندما ترفع يدك تدعو ربك سبحانه فإن الملائكة تعرف ما تصنعه فتدعو لك، ويعرف الله عز وجل لك صنيعك في وقت الشدة فيعطيك.

قال: (وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن)، أي: كل ما ستفعله حتى تلقى الله مكتوب عند الله عز وجل، ومن المستحيل أن يزاد في ذلك؛ لأن علم الله عز وجل لا يتغير.

فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه، فالذي كتبه الله عز وجل لك هو الذي يصيبك فلا تبتئس إذا لم يأتك الشيء الذي تتمناه، وكم رأينا من أناس يتمنون بقاء الشيء، ويكتب شكاوى وطلبات والتماسات من أجل حاجة يريدها ثم لا يحصل على شيء، وقد يكون الذي لا يتمناه ولا يريده حتى يموت على ذلك.

فعلى المؤمن أن يأخذ بالأسباب، ويعلم أنه لن يأتيه شيء لم يكتبه الله عز وجل ولن يمنع شيئاً قد أراده الله سبحانه وتعالى، الله عز وجل ما ينفعه من أمر دينه وديناه.

يقول: (وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً)، يعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصبي الصغير هذا الكلام العظيم، وهذه من الحكم النبوية الكريمة الجليلة حتى ينشأ هذا الصغير وقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فينطق بالحكمة، ولذلك كان ابن عباس رضي الله عنه حبر هذه الأمة وترجمان القرآن رضي الله تبارك وتعالى عنه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015