Q في الحلقة الماضية قلت: لا إله إلا الله لها سبعة شروط من حققها دخل الجنة وقلت: سيأتي يوم القيامة إنسان بتسع وتسعين صحيفة مد البصر كلها معاصٍ لم يعمل خيراً قط، فيقول: لا إله إلا الله وتتطاير الصحف ويربح، فلماذا دخل الجنة على الرغم من أنه لم يعمل خيراً قط؟
صلى الله عليه وسلم أذكرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكر فيه أن إنساناً كان عابداً لله سبحانه، وآخر كان عاصياً لله سبحانه، هذا عابد طيلة عمره، وذاك عاصٍ طيلة عمره، فالعابد يمر على العاصي ويقول: اتق الله، اتق الله، ولا يزال يقول له ذلك حتى قال له العاصي مرة من المرات: دعني وربي، ما أرسلت علي بوكيل دعني وربي، فلما قال ذلك قال العابد: والله لا يغفر الله لك، فقال الله عز وجل: (من هذا الذي يتألى علي أن لا أغفر له! قد غفرت له وأدخلتك النار).
فلا يسأل الله عما يفعل سبحانه، قال تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] فلابد من التأدب مع الله سبحانه وتعالى.
والحديث الذي عند الترمذي ورواه ابن ماجة وفيه: (أن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول: أحضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفه والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء).
فرحمة ربي العظيم عظيمة، ومع ذلك أخبرنا في الحديث أن من المؤمنين من يدخل النار قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له ثغاء) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فذكر البعير وذكر الشاة، وذكر الفرس، وذكر الإنسان، وذكر الرقاع، وذكر الصامت: الذهب أو الفضة، فيقول: (يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لكم شيئاً قد بلغتكم) فهؤلاء الذين جاءوا يحملون هذه المظالم ويدخلون بها النار، لم يكونوا يقولون: لا إله إلا الله صدقاً، فهناك فرق بين هذا الإنسان الذي قال: لا إله إلا الله بعلم ويقين، وإقرار وصدق ومحبة فيغفر له بذلك ما كان من ذنوبه، وبين من قالها بغير توفر شروطها، والله أعلم من يستحق الجنة ممن قال: لا إله إلا الله ومن يستحق النار من أهل لا إله إلا الله، وفي رواية ل ابن ماجة قال: (فينشر له تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل مد البصر، ثم يقول الله عز وجل: هل تنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: يا رب لا، فيقول: أظلمتك كتبتي الحافظون؟ ثم يقول: ألك عن ذلك حسنة؟ فيهاب الرجل)، فالرجل يخاف يوم القيامة، فأعماله في تسعة وتسعين سجلاً، ولم يقل: كلها معاصٍ وكبائر، ولكن سجلات الإنسان يُكتب فيها كل ما فعله من مباح ومكروه وحرام وطاعات، فيها كل ما فعل الإنسان، فكأن هذا الإنسان عرضت عليه السجلات فكانت مليئة بالسيئات ولم يقل: لم تكن له حسنة قط، حتى الإنسان الذي جاء به ربه سبحانه وقال: أعملت خيراً قط؟ قال: لا، قال أهل العلم: من الدهشة والحيرة نسي، وإلا فالله عز وجل قد ذكره أنه عمل حسنة في يوم من الأيام، (أنه كان يبايع الناس فينظر الإنسان الموسر ويتجاوز عن المعسر، فالله عز وجل قال: نحن أحق بذلك منك فتجاوز عنه)، ومع ذلك قال الرجل: إنه لم يعمل حسنة ولم يعمل خيراً قط؟ فهنا لم يعمل خيراً قط في ظنه، إذْ نسي مع الدهشة والخوف، ولفظ الحديث قال: (سيخلص رجلاً من أمتي) هذه رواية الترمذي، ورواية ابن ماجة: (يصاح برجل من أمتي) فيخاف الإنسان ويفزع لما يصاح وينادى به أمام الخلائق، وتعرض أمامه السجلات ولا يعرف شيئاً، ويظن أنها كلها سيئات، والإنسان إذا نظر في الدنيا أنه عصى الله سبحانه وتعالى، وجيء به يوم القيامة وتذكر ذلك، ذهب وهله، وذهب ذهنه، وذهبت ذاكرته، فلا يتذكر خيراً فعله، مع كونه أمام رب العالمين سبحانه وتعالى، فهنا الإنسان الذي أتى بكلمة لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه مقراً موقناً بها محباً لها ولأهلها، محباً لله سبحانه وتعالى، راضياً بدينه، مخلصاً في عمله، هذا تنفعه فهذا الكلمة يوم القيامة حتى وإن أتى بمعاصٍ كثيرة.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
وصل اللهم وسلم على محمد وآله وصحابته أجمعين.