حرمة الأموال والدماء بكلمة التوحيد والكفر بما يعبد من دون الله

قال المصنف رحمه الله تعالى: وفي الصحيح يعني: في صحيح مسلم: (من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل)، أنت تقول: لا إله إلا الله، يعني: لا أعبد إلا الله سبحانه وتعالى، فحصرت هذه العبادة أنها لا تكون إلا له وحده لا شريك له، والله سبحانه وتعالى يقول: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:256] فهما متلازمان، يتلازم حبك لله مع بغضك للشرك بالله والكفر به سبحانه وتعالى، ويتلازم إيمانك بالله مع كفرك بالطاغوت، وبكل ما يعبد من دون الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا المعنى فيقول: (من قال لا إله إلا الله وكفر ما يعبد من دون الله) فعبد الله وحده لا شريك له، وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل في هذا الدين (حرم ماله ودمه وحسابه على الله).

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)، فالأصل أن يأتي الإنسان بكلمة التوحيد فيعصم دمه ويعصم ماله، ومن قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة بهذه الكلمة دخل في هذا الدين، ولما دخل في هذا الدين نقول: عصم دمه وعصم ماله، إلا إذا ترك الصلاة وترك الزكاة وترك ما أمر الله عز وجل به؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] ويقول أيضاً: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11].

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).

إذاً: للدخول في الإسلام لا بد من قول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإقرار بما جاء من عند الله سبحانه وتعالى، واليقين بذلك، الإتيان بشروط لا إله إلا الله المعروفة: العلم واليقين والقبول والانقياد والصدق والإخلاص والمحبة، وتارك الصلاة يعاقب، ولو وصل الأمر للمقاتلة؛ لكونه ترك أمراً من أمور الدين التي فرضها الله سبحانه وتعالى، كما قاتل الصحابة مانعي الزكاة، وسموهم مرتدين، وإن لم يكونوا كلهم مرتدين، فمن مانعي الزكاة من ارتد وجحد هذه الزكاة فهذا مرتد، ومنهم من قاتل ورفض أن يدفعها تأولاً منه أن الزكاة كان يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم، والذين مكان النبي صلى الله عليه وسلم ليسوا مثله، فعلى ذلك لا نعطيها لهم، أو أنهم شحوا بها وبخلوا، أو أنهم قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم في وجوده كان يصلي علينا، قال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103]، وهؤلاء ليسوا مثل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الصحابة قاتلوا الجميع، وسموا هذا القتال: قتال المرتدين، باعتبار أن البعض كانوا مرتدين، ولكن ليس الجميع، فمن بخل بالزكاة ليس كافراً، والذي تكاسل عن الصلاة اختلف العلماء فيه، هل هو كافر أم ليس كافراً، والذي جحد الصلاة ورفض أن يصلي وقوتل وفضل أن يقتل على أن يصلي فهذا لا يظن به الإيمان، لكن من ترك الصلاة يؤتى به ويعذر على ذلك ويحبس، فإن صلى وإلا قتل على تركه للصلاة.

فالإسلام يعصم الدماء ويعصم الأموال إلا بالحق.

إذاً: فهذا مسلم معصوم الدم، لكنه تارك للصلاة، فيؤمر بالصلاة، فإن صلى وإلا قتل؛ لأنه ليس معصوماً الدم الآن إذا ترك هذه الصلاة وأصر على تركها، كذلك الزكاة يؤمر بإيتاء الزكاة، وتركه للزكاة وهو مقر بها ليس معناه أن هذا الإنسان كافرٌ أو خارج من الدين، ولكن كونه يمنع ويقاتل عليها فهذا يشكك في إسلامه، فإذا كان يرفض دفع الزكاة ويقاتل وهو يرفض دفعها ويظن أن من حقه أن يمنعها أو أنها ليست فريضة فرضها الله سبحانه فهو كافر، لكن إذا كان الإنسان منعها تكاسلاً أو بخلاً وشحاً فهذا تؤخذ منه الزكاة ويعزر على ذلك وليس كافراً.

كذلك في أمر الصلاة إذا كان متكاسلاً عنها، فالراجح: أنه ليس كافراً كفراً مخرجاً من الملة إلا أن ينكر الصلاة ويجحدها، لكن للحاكم أن يعزر هذا الإنسان، وقد يصل به الأمر إلى أن يقتل تارك الصلاة والمانع للزكاة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله)، يعني: يقول: لا إله إلا الله، ويصاحبه الكفر بالطاغوت، والكفر بالمعبودات من دون الله، فإذا عبد الله، وتوسل ودعا ورجا وخاف من غير الله فيما لا يكون إلا لله عز وجل فقد أشرك بالله سبحانه وتعالى، فقوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [البقرة:256]، فالإيمان بالله وتوحيده يلازمه الكفر بالأصنام وبكل ما يعبد من دون الله سبحانه وتعالى.

يقول: (حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله فإن شك أو تردد).

ولا بد من هذا القيد؛ لأنه ليس لازماً أن يقول: لا إله إلا الله وأنا أكفر بما يعبد من دون الله، فلم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحداً أن يقول ذلك، فأنت تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، والآية تقول: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [البقرة:256] فهذا مقتضى قول لا إله إلا الله، أي: إذا قال ذلك فاللازم له أنه يكفر بالطاغوت، إلا أن يصرح بخلاف ذلك، أي: يقول: لا إله إلا الله وهو يعبد من دون الله كذا وكذا، إذاً: فهذا لم يكفر بالطاغوت.

وهذا هو الشرط المصحح لقوله: لا إله إلا الله، فلا يصح قولها بدون هذه الخمس التي ذكرها المصنف رحمه الله أصلاً، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193]، وقال: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] فأمر بقتالهم حتى يتوبوا من الشرك، ويخلصوا أعمالهم لله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإن أبوا ذلك أو بعضه قوتلوا إجماعاً، ولكن لم يكفروا إجماعاً، فهم يقاتلون على ترك الصلاة، ولابد أن يفرق بين من يعترف بها ويتكاسل عنها وبين من يجحدها، فالذي يجحدها لم يدخل في دين الله عز وجل؛ لأن الله أمر بها، وهذا من المقطوع بعلمه في الدين، كذلك الزكاة، ولكن إن دخل في الإسلام وأقر بالصلاة وبالزكاة ولكنه تكاسل عن هذا أو ذاك لا يكفر بمجرد ذلك، ولكن يعزر ويحبس حتى يفعل ما أمر الله سبحانه وتعالى به.

إذاً: فكلمة لا إله إلا الله وحدها تدخل الإنسان في دين الإسلام، فإذا ترك شيئاً مما جاء وعلم من الدين بالضرورة مستحلاً للترك، وأنه من حقه أن يشرع، ولا يريد هذا الذي أمر الله عز وجل به، فهذا من الكفر، أما إذا هو مقر بذلك، موقن أنه من عند الله ولكنه متكاسل، فالراجح: أنه ليس كافراً خارجاً من الملة على ذلك، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015