من الأمور المبينة لتفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

ومن الأمور المبينة لتفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله آية البقرة في الكفار الذين قال الله تعالى فيهم: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167] براءة الكافر والفاسق يوم القيامة لن تنفعه، أما في الدنيا إذا تبرأ الإنسان من الشرك والمشركين فتنفعه هذه البراءة يوم القيامة، أما في الآخرة فقد مضى الوقت، قال تعالى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص:3].

قال المصنف رحمه الله تعالى: (ففي الآية: بيان أن من أشرك مع الله تعالى غيره في المحبة فقد جعله شريكاً لله في العبادة، واتخذه نداً من دون الله، وأن ذلك هو الشرك الذي لا يغفره الله، كما قال الله سبحانه: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167].

قال شيخ الإسلام: (فمن رغب إلى غير الله في قضاء حاجة أو تفريج كربة لزم أن يكون محباً له، ومحبته هي الأصل في ذلك)، والمعنى: أن الإنسان لا يرغب إلا إلى الله سبحانه وتعالى، فلما يدعو يقول: يا رب، فإذا رغب إلى غير الله فقد طلب من غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى ووقع في الشرك بذلك.

يقول ابن القيم رحمه الله: (فتوحيد المحبوب: أن لا يتعدد محبوبه، أي: مع الله تعالى بعبادته له)، والمقصد هنا: الذي لا يكون إلا لله عز وجل، وهو حب يملأ قلب الإنسان، ويفضل ربه سبحانه على ما سواه ولا أحد معه سبحانه وتعالى، ويكون مع هذا الحب الخوف الشديد من الله سبحانه، فالإنسان قد يحب إنساناً في الدنيا ولكن لا يخاف منه، قد يخاف من إنسان ويرعب منه ولكن لا يحبه، لكن جمع كمال الحب مع كمال الخوف والذل، هذا لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، ولو أن الإنسان يخاف من ولي وقيل له: احلف بالله أنك لم تأخذ هذا الشيء، وقال: والله لم آخذ ذلك الشيء، فقيل له: احلف بفلان فخاف من ذلك، فهو يحبه ويخاف منه أن يعاقبه، فهذا مشرك بالله سبحانه وتعالى؛ لأن الحب والخوف لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى.

يقول ابن القيم رحمه الله: (وتوحيد الحب أن لا يبقى في قلبه بقية حب حتى يبذلها له، فهذا الحب وإن سمي عشقاً فهو غاية صلاح العبد ونعيمه وقرة عينه، وليس لقلبه صلاح ولا نعيم إلا بأن يكون الله ورسوله أحب إليه من كل ما سواهما)، يعني: قوله: وإن سمي عشقاً في كلام أهل الدنيا وإلا فالتأدب مع الله سبحانه وتعالى أنه يحب بالألفاظ التي وردت في الكتاب وفي السنة، أما لفظة (عشق) لم تأتِ في القرآن ولا في السنة، فهو لا يقول: إنه قال ذلك عن الله، وإن سمي مثل ذلك، فالأدب مع الله أن لا نقول: غير ما قاله سبحانه وتعالى، فنحن نحب الله، والذين آمنوا يحبون الله سبحانه وهم أشد حباً لله، ولم يقل عشقاً لله سبحانه.

يقول ابن القيم رحمه الله: (وليس لقلبه صلاح ولا نعيم إلا بأن يكون الله ورسوله أحب إليه من كل ما سواهما، وأن تكون محبته لغير الله تابعة لمحبة الله تعالى، فلا يحب إلا لله ولا يحب إلا الله).

وفي الحديث الصحيح: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) إذاً: لا ينفي أنه يحب غير الله وغير الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمحبة موجودة، فهو يحب المؤمنين ويحب أهل الإسلام، ويحب نصر المسلمين، وفي قلبه الحب لأهل الدين، ولكن المقصود هنا: كمال المحبة، وكمال المحبة لا تكون إلا لله وحده سبحانه وتعالى، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، فهو يحب إنساناً لكونه مطيعاً لله، ويحبه لكونه أمر أن يحبه لأنه مسلم، ويحب زوجته؛ لأن الله جعل بينهما مودة ورأفة ورحمة منه سبحانه فيحب على ذلك، فهو يحب ما أحب الله ويحب بحبه لله سبحانه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) وهذا من كمال إيمان الإنسان، ومن وجد هذه الثلاثة الأشياء وجد كمال الإيمان وحلاوته.

فمن حب الله سبحانه ورسوله صلوات الله وسلامه عليه: أن يحب في الله سبحانه.

ومن كمال الإيمان أن يكره الكفر أهله، ويكره أن يرجع إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار، فيجتمع في قلبه الإيمان، ويكون قد ذاق حلاوته.

يقول ابن القيم رحمه الله: (ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي من محبة الله تعالى، ومحبة المرء إن كانت لله فهي من محبته)، يعني: لا مانع أن يحب الناس، لكن يحب الناس حباً في الله سبحانه؛ لأنه أمر بذلك شرعاً، قال: (ويصدق هذه المحبة بأن تكون كراهيته لأبغض الأشياء إلى محبوبه وهو الكفر)، يعني: يكره ما يكرهه الله، وأبغض الأشياء إلى الله الكفر وأهله، كذلك المؤمن يكره هذا الذي هو بغيض عند الله سبحانه وتعالى.

يقول رحمه الله: (ويصدق هذه المحبة بأن تكون كراهيته لأبغض الأشياء إلى محبوبه وهو الكفر بمنزلة كراهيته لإلقائه في النار أو أشد، ولا ريب أن هذا من أعظم المحبة).

ثم قال: (وهي محبة تقتضي تقديم المحبوب فيها) أي: الذي تحبه لله تقدمه على كل شيء، إلى آخر كلامه رحمه الله.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وفي الصحيحين (عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي الذنب أعظم؟)) أعظم الذنوب: الشرك بالله سبحانه، (قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، يعني: والحال أنه قد خلقه، فكيف يكون ذلك؟! الله يخلق والله يرزق ثم تجعل له نداً في ذلك، فهذا من أعظم الذنوب التي يقع فيها الإنسان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015