الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ". هذا من نصوص الوعيد، وقد جاء عن سفيان الثوري وأحمد كراهية تأويلها ليكون أوقع في النفوس; وأبلغ في الزجر، وهو يدل على أن ذلك ينافي كمال الإيمان الواجب.
قوله: "من ضرب الخدود" وقال الحافظ: " خُص الخد لكونه الغالب، وإلا فضرب بقية الوجه مثله". قوله: "وشق الجيوب" هو الذي يدخل فيه الرأس من الثوب، وذلك من عادة أهل الجاهلية حزنا على الميت.
قوله: "ودعا بدعوى الجاهلية" قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: هو ندب الميت. وقال غيره: هو الدعاء بالويل والثبور. وقال ابن القيم -رحمه الله-: " الدعاء بدعوى الجاهلية كالدعاء إلى القبائل والعصبية، ومثله التعصب إلى المذاهب والطوائف والمشايخ، وتفضيل بعضهم على بعض، يدعو إلى ذلك ويوالي عليه ويعادي، فكل هذا من دعوى الجاهلية".
وعند ابن ماجه وصححه ابن حبان عن أبي أمامة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور " 1.
وهذا يدل على أن هذه الأمور من الكبائر، وقد يعفى عن الشيء اليسير من ذلك إذا كان صدقا، وليس على وجه النوح والتسخط. نص عليه أحمد -رحمه الله-؛ لما وقع لأبي بكر وفاطمة -رضي الله عنهما- لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وليس في هذه الأحاديث ما يدل على النهي عن البكاء، لما في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم قال: " تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون " 2 3 وفي الصحيحين.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق إلى إحدى بناته4 ولها صبي في الموت، فرفع إليه ونفسه تقعقع كأنها شن، ففاضت عيناه، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء " 5.