استطعت أن تعمل بالرضى في اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا ". وفي رواية " قلت: يا رسول الله كيف أصنع باليقين؟ قال: أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك " 1.

قوله: "أن ترضي الناس بسخط الله" أي تؤثر رضاهم على رضا الله، وذلك إذا لم يقم بقلبه من إعظام الله وإجلاله وهيبته، ما يمنعه من استجلاب رضا المخلوق بما يجلب له سخط خالقه وربه ومليكه الذي يتصرف في القلوب، ويفرج الكروب ويغفر الذنوب. وبهذا الاعتبار يدخل في نوع من الشرك؛ لأنه آثر رضا المخلوق على رضا الله، وتقرب إليه بما يسخط الله، ولا يسلم من هذا إلا من سلمه الله، ووفقه لمعرفته ومعرفة ما يجوز على الله من إثبات صفاته على ما يليق بجلاله، وتنزيهه تعالى عن كل ما ينافي كماله، ومعرفة توحيده من ربوبيته وإلهيته وبالله التوفيق.

قوله: "وأن تحمدهم على رزق الله" أي على ما وصل إليك من أيديهم، بأن تضيفه إليهم وتحمدهم عليه. فإن المتفضل في الحقيقة هو الله وحده الذي قدره لك وأوصله إليك، وإذا أراد أمرا قيّض له أسبابا. ولا ينافي هذا حديث:

" من لا يشكر الناس لا يشكر الله " 23؛ لأن شكرهم إنما هو بالدعاء لهم لكون الله ساقه على أيديهم فتدعو لهم أو تكافئهم; لحديث: " ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه " 4 5. فإضافة الصنيعة إليهم لكونهم صاروا سببا في إيصال المعروف إليك، والذي قدره وساقه هو الله وحده.

قوله: "وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله"؛ لأنه لم يقدر لك ما طلبته على أيديهم، فلو قدره لك لساقته المقادير إليك. فمن علم أن المتفرد بالعطاء والمنع هو الله وحده، وأنه هو الذي يرزق العبد بسبب وبلا سبب، ومن حيث لا يحتسب، لم يمدح مخلوقا على رزق ولم يذمه على منع، ويفوض أمره إلى الله، ويعتمد عليه في أمر دينه ودنياه. وقد قرر النبي هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015