ومعلوم أن اتخاذ المساجد والسرج المنهي عنها محكم، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وكذلك الآخر.

والصحيح: أن النساء لم يدخلن في الإذن في زيارة القبور لعدة أوجه:

أحدها: أن قوله صلي الله عليه وسلم فزوروها صيغة تذكير، وإنما يتناول النساء أيضا على سبيل التغليب. لكن هذا فيه قولان، قيل: إنه يحتاج إلى دليل منفصل، وحينئذ فيحتاج تناول ذلك للنساء إلى دليل منفصل. وقيل: إنه يحتمل على ذلك عند الإطلاق. وعلى هذا فيكون دخول النساء بطريق العموم الضعيف، والعام لا يعارض

الأدلة الخاصة ولا ينسخها عند جمهور العلماء، ولو كان النساء داخلات في هذا الخطاب لاستحب لهن الزيارة للقبور. وما علمنا أحدا من الأئمة استحب لهن زيارة القبور، ولا كان النساء على عهد النبي صلي الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين يخرجن إلى زيارة القبور.

ومنها: أن النبي صلي الله عليه وسلم علل الإذن للرجال بأن ذلك: " يذكر الموت، ويرقق القلب، وتدمع العين "1 هكذا في مسند أحمد. ومعلوم أن المرأة إذا فتح لها هذا الباب أخرجها إلى الجزع والندب والنياحة؛ لما فيها من الضعف وقلة الصبر. وإذا كانت زيارة النساء مطنة وسببا للأمور المحرمة؛ فإنه لا يمكن أن يحد المقدار الذي لا يفضي إلى ذلك; ولا التمييز بين نوع ونوع، ومن أصول الشريعة: أن الحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها. فيحرم هذا الباب سدا للذريعة، كما حرم النظر إلى الزينة الباطنة، وكما حرم الخلوة بالأجنبية وغير ذلك. وليس في ذلك من المصلحة ما يعارض هذه المفسدة؛ فإنه ليس في ذلك إلا دعاؤها للميت، وذلك ممكن في بيتها.

ومن العلماء من يقول: التشييع كذلك، ويحتج بقوله صلي الله عليه وسلم: " ارجعن مأزورات غير مأجورات، فإنكن تفتن الحي وتؤذين الميت" 2 وقوله لفاطمة: " أما إنك لو بلغت معهم الكدى لم تدخلي الجنة " 3 ويؤيده ما ثبت في الصحيحين من أنه نهى النساء عن اتباع الجنائز "4 ومعلوم أن قوله صلي الله عليه وسلم: " من صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان " 5 هو أدل على العموم من صيغة التذكير؛ فإن لفظ "من" يتناول الرجال والنساء باتفاق الناس، وقد علم بالأحاديث الصحيحة أن هذا العموم لم يتناول النساء لنهي النبي صلي الله عليه وسلم لهن عن اتباع الجنائز، فإذا لم يدخلن في هذا العموم فكذلك في ذلك بطريق الأولى. انتهى ملخصا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015