قوله: "إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله" أي لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى عليه السلام فادّعوا فيه الإلهية. وإنما أنا عبد الله ورسوله، فصفوني بذلك كما وصفني ربي، فقولوا: عبد الله ورسوله، فأبى المشركون إلا مخالفة أمره وارتكاب نهيه، وعظموه بما نهاهم عنه وحذرهم منه، وناقضوه أعظم مناقضة، وضاهوا النصارى في غلوهم وشركهم، ووقعوا في المحذور، وجرى منهم من الغلو والشرك شعرا ونثرا ما يطول عده; وصنفوا فيه مصنفات.

وقد ذكر شيخ الإسلام - رحمه الله - عن بعض أهل زمانه1 أنه جوّز الاستغاثة بالرسول صلي الله عليه وسلم في كل ما يستغاث فيه بالله، وصنف في ذلك مصنفا رده شيخ الإسلام، وردّه موجود بحمد الله. ويقول: إنه يعلم مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله. وذكر لهم أشياء من هذا النمط. نعوذ بالله من عمى البصيرة.

قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو " 2. ولمسلم

وقد اشتهر في نظم البوصيري قوله:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به" ... سواك عند حدوث الحادث العمم"

وما بعده من الأبيات التي مضمونها إخلاص الدعاء واللياذ والرجاء والاعتماد في أضيق الحالات، وأعظم الاضطرار لغير الله، فناقضوا الرسول صلي الله عليه وسلم بارتكاب ما نهى عنه أعظم مناقضة، وشاقوا الله ورسوله أعظم مشاقة، وذلك أن الشيطان أظهر لهم هذا الشرك العظيم في قالب محبة النبي صلي الله عليه وسلم وتعظيمه، وأظهر لهم التوحيد والإخلاص الذي بعثه الله به في قالب تنقيصه، وهؤلاء المشركون هم المتنقصون الناقصون، أفرطوا في تعظيمه بها نهاهم عنه أشد النهي، وفرطوا في متابعته، فلم يعبئوا بأقواله وأفعاله، ولا رضوا بحكمه ولا سلموا له، وإنما يحصل تعظيم الرسول صلي الله عليه وسلم بتعظيم أمره ونهيه، والاهتداء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015