لِوُقُوعِ الْفَصْلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ كَمَا فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ بِعَرَفَةَ، إلَّا أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِإِعَادَةِ الْإِقَامَةِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ لِلْعِشَاءِ» . وَلَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لِهَذَا الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمَغْرِبَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ وَقْتِهَا، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْعَصْرَ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ.
قَالَ (وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُجْزِيه وَقَدْ أَسَاءَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا صَلَّى بِعَرَفَاتٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِقَامَةٍ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَلَا عَلَى إثْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «أَفَضْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَمَّا بَلَغْنَا جَمْعًا صَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَكَذَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْمَكَانِ» وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ» .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْبَلْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ، فَلَمْ يَكُنْ يَفْتُرُ عَنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ حَتَّى أَتَيْنَا مُزْدَلِفَةَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، أَوْ أَمَرَ إنْسَانًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عِلَاجُ بْنُ عَمْرٍو بِمِثْلِ حَدِيثِ أُبَيٍّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا، فَقَدْ عَلِمْت مَا فِي هَذَا مِنْ التَّعَارُضِ، فَإِنْ لَمْ يُرَجَّحْ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحِيحَانِ عَلَى مَا انْفَرَدَ بِهِ صَحِيحُ مُسْلِمٍ وَأَبُو دَاوُد حَتَّى تَسَاقَطَا كَانَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ يُوجِبُ تَعَدُّدَ الْإِقَامَةِ بِتَعَدُّدِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ هُنَا وَقْتِيَّةٌ، فَإِذَا أُقِيمَ لَلْأُولَى الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ كَانَتْ الْحَاضِرَةُ أَوْلَى أَنْ يُقَامَ لَهَا بَعْدَهَا.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ بَلْ يُنِيخُ جِمَالَهُ وَيَعْقِلُهَا، وَهَذِهِ لَيْلَةٌ جَمَعَتْ شَرَفَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَهَدَ فِي إحْيَائِهَا بِالصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالتَّضَرُّعِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) لَا أَصْلَ لِهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
بَلْ هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ قَالَ: «فَلَمَّا أَتَى جَمْعًا أَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ» . وَكَيْفَ يَسُوغُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْتَبِرَ هَذَا حَدِيثًا حُجَّةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِصُدُورِ تَعَدُّدِ الْإِقَامَةِ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ مِنْ قَرِيبٍ يُنَاضِلُ عَلَى أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلُ فَقَدْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ عَشَاءٍ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَسْتَحِيلُ اعْتِقَادُ الثَّانِي، وَإِلَّا لَزِمَ اعْتِقَادُ أَنَّهُ تَعَشَّى وَلَا تَعَشَّى وَأَفْرَدَ الْإِقَامَةَ وَلَا أَفْرَدَهَا، وَهَذَا لِأَنَّ رِوَايَةَ الْحَدِيثِ لِلِاحْتِجَاجِ فَرْعُ اعْتِقَادِ صِحَّتِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ وَقْتِهَا) وَأَدَاءُ صَلَاةٍ بَعْدَ وَقْتِهَا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ.
(قَوْلُهُ لَمْ يُجْزِهِ) الْخَارِجُ مِنْ الدَّلِيلِ