قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَقِفُوا بِقُرْبِ الْإِمَامِ) لِأَنَّهُ يَدْعُو وَيُعَلِّمُ فَيَعُوا وَيَسْمَعُوا (وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ) لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِيَّةِ لِأَنَّ عَرَفَاتٍ كُلَّهَا مَوْقِفٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَيَجْتَهِدَ فِي الدُّعَاءِ) أَمَّا الِاغْتِسَالُ فَهُوَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَوْ اكْتَفَى بِالْوُضُوءِ جَازَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعِنْدَ الْإِحْرَامِ. وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لِأُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ (وَيُلَبِّي فِي مَوْقِفِهِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ كَمَا يَقِفُ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ بِاللِّسَانِ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالْأَرْكَانِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْبَرْتُكَ عَمَّا جِئْتَ تَسْأَلُنِي، وَإِنْ شِئْتَ تَسْأَلُنِي فَأُخْبِرُكَ، فَقَالَ: لَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا جِئْتُ أَسْأَلُكَ، فَقَالَ: جِئْت تَسْأَلُ عَنْ الْحَاجِّ مَا لَهُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ فَإِذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا، اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ وَرَمْلِ عَالِجٍ، وَإِذَا رَمَى الْجِمَارَ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا لَهُ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا قَضَى آخِرَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ. وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «كَانَ فُلَانٌ رِدْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَجَعَلَ الْفَتَى يُلَاحِظُ النِّسَاءَ وَيَنْظُرُ إلَيْهِنَّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ابْنَ أَخِي إنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ غُفِرَ لَهُ» .

وَمِنْ مَأْثُورَاتِ الْأَدْعِيَةِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا. اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ وَسَاوِسِ الصَّدْرِ وَشَتَاتِ الْأَمْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ. اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا يَلِجُ فِي اللَّيْلِ وَشَرِّ مَا يَلِجُ فِي النَّهَارِ وَشَرِّ مَا تَهُبُّ بِهِ الرِّيَاحُ وَشَرِّ بَوَائِقِ الدَّهْرِ.

اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ تَحَوُّلِ عَافِيَتِك وَفُجْأَةِ نِقْمَتِك وَجَمِيعِ سَخَطِك، وَأَعْطِنِي فِي هَذِهِ الْعَشِيَّةِ أَفْضَلَ مَا تُؤْتِي أَحَدًا مِنْ خَلْقِك، وَكُلُّ حَاجَةٍ فِي نَفْسِهِ يَسْأَلُهَا فَإِنَّهُ يَوْمُ إفَاضَةِ الْخَيْرَاتِ مِنْ الْجَوَادِ الْعَظِيمِ. وَحَدِيثُ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَدْعُو مَادًّا يَدَيْهِ كَالْمُسْتَطْعِمِ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاقِفًا بِعَرَفَةَ مَادًّا يَدَيْهِ كَالْمُسْتَطْعِمِ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا» وَأُعِلَّ بِحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَعِينٍ.

قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا جَاوَزَ الْمِقْدَارَ.

وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «رَأَيْتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَدْعُو بِعَرَفَةَ يَدَاهُ إلَى صَدْرِهِ كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ»

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَقِفُوا بِقُرْبِ الْإِمَامِ) وَكُلَّمَا كَانَ إلَى الْإِمَامِ أَقْرَبَ فَهُوَ أَفْضَلُ وَغُسْلُ عَرَفَةَ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغُسْلِ

(قَوْلُهُ «فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ» ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسٍ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَأُجِيبَ: إنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلَا الْمَظَالِمَ فَإِنِّي آخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ إنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015