يُصَلِّيَ الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ رَاحَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ» (وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَصَلَّى بِهَا الْفَجْرَ ثُمَّ غَدَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمَرَّ بِمِنًى أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمِنًى فِي هَذِهِ الْيَوْمِ إقَامَةُ نُسُكٍ، وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQجِئْتُك قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَا لِمَا قَبْلَ الْأَذَانِ وَدُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ إذْ ذَاكَ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ أَذَانَ الظُّهْرِ، فَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ عُرْفًا لِمَا بَعْدَ الْوَقْتِ قَبْلَ الصَّلَاةِ.
لَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَرِيحٌ فَيُقْضَى بِهِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ.
وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، هَذَا وَلَا يَتْرَكُ التَّلْبِيَةَ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا حَالَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ وَخَارِجِهِ إلَّا حَالَ كَوْنِهِ فِي الطَّوَافِ، وَيُلَبِّي عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى، وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إيَّاكَ أَرْجُو وَإِيَّاكَ أَدْعُو وَإِلَيْك أَرْغَبُ، اللَّهُمَّ بَلِّغْنِي صَالِحَ عَمَلِي وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي، فَإِذَا دَخَلَ مِنًى قَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا مِنًى وَهَذَا مَا دَلَلْتنَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَاسِكِ، فَمُنَّ عَلَيْنَا بِجَوَامِعِ الْخَيْرَاتِ وَبِمَا مَنَنْت بِهِ عَلَى إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك وَمُحَمَّدٍ حَبِيبِك وَبِمَا مَنَنْت بِهِ عَلَى أَهْلِ طَاعَتِك، فَإِنِّي عَبْدُك وَنَاصِيَتِي بِيَدِك جِئْت طَالِبًا مَرْضَاتِك، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَ مَسْجِدٍ عِنْدَ الْخَيْفِ.
(قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ إلَخْ) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ» الْحَدِيثَ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِهَذَا الْحَدِيثِ يُفِيدُ أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَهُ الذَّهَابُ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ. وَعَنْ ذَلِكَ حُمِلَ فِي النِّهَايَةِ مَرْجِعُ ضَمِيرِ قَبْلَهُ عَلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.
ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَكِنَّهُ تَبِعَ صَاحِبَ الْإِيضَاحِ لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مَذْكُورٌ فِي الْإِيضَاحِ مُتَقَدِّمًا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ مُتَّصِلٌ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، إمَّا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَوْقِيتِ وَقْتِ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى أَوْ تَوْقِيتُهُ بِمَا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّرْكِيبِ الشَّرْطِيِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ شَرْحًا، فَمَرْجِعُ ضَمِيرٍ قَبْلَهُ أَلْبَتَّةَ صَلَاةُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَخَذَ فِي بَيَانِ حُكْمِ هَذَا الْجَوَازِ وَالْجَوَازُ مُتَحَقِّقٌ فِي التَّوَجُّهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ قَبْلَ الشَّمْسِ.
وَالْإِسَاءَةُ لَازِمَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إلْزَامِهِ أَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ اعْتِرَاضُهُ، وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا قُلْنَا أَنَّ السُّنَّةَ الذَّهَابُ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَيْضًا، وَيَقُولُ عِنْدَ التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ: اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَوَجْهَك أَرَدْت، فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي، وَاقْضِ بِعَرَفَاتٍ حَاجَتِي إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَيُلَبِّي وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أُنْكِرَ عَلَيْهِ التَّلْبِيَةُ: " أَجَهِلَ النَّاسُ أَمْ نَسُوا؟ وَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَقَدْ خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا أَنْ يَخْلِطَهَا بِتَكْبِيرٍ أَوْ تَهْلِيلٍ " رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسِيرَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ وَيَعُودَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْعِيدِ إذَا ذَهَبَ إلَى الْمُصَلَّى، فَإِذَا قَرُبَ مِنْ