وَيَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي فِي كُلِّ شَوْطٍ لِمَا رَوَيْنَا، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِالصَّفَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» ثُمَّ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَرْوَةِ وَرُجُوعُهُ عَنْهَا إلَى حَالِ سَبِيلِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الصَّفَا لِيَفْتَتِحَ الشَّوْطَ وَقَدْ تَمَّ السَّعْيُ.

وَعَلَى الثَّانِي إذَا كَانَ الشَّرْطُ الْأَخِيرُ صَحَّ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ رُجُوعِهِ فِيهِ مِنْ الْمَرْوَةِ هَذَا آخِرُ طَوَافِهِ بِالْمَرْوَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ هَذِهِ الْوَقْفَةِ بِهَا إلَيْهَا. وَإِنْ احْتَاجَ إلَى رُجُوعِهِ إلَى الصَّفَا لِتَتْمِيمِ الشَّوْطِ، وَمَا دُفِعَ بِهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْوَاجِبُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا، وَقَدْ اتَّفَقَ رُوَاةُ نُسُكِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ إنَّمَا طَافَ سَبْعَةً فَمَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الشَّرْطِ مَا مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ أَوْ مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ يَقُولُ: هَذَا اعْتِبَارُكُمْ لَا اعْتِبَارُ الشَّرْعِ لِعَدَمِ النَّقْلِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ، وَأَقَلُّ الْأُمُورِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ الشَّارِعِ تَنْصِيصٌ فِي مُسَمَّاهُ أَنْ يَثْبُتَ احْتِمَالُ أَنَّهُ كَمَا قُلْتُمْ، وَكَمَا قُلْت، فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ، وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ قَوْلِي فِيهِ وَيُقَوِّيهِ أَنَّ لَفْظَ الشَّوْطِ أُطْلِقَ عَلَى مَا حَوَالَيْ الْبَيْتِ. وَعُرِفَ قَطْعًا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا مِنْ الْمَبْدَإِ إلَى الْمَبْدَإِ، فَكَذَا إذَا أُطْلِقَ فِي السَّعْيِ إذْ لَا مُنَصِّصَ عَلَى الْمُرَادِ.

فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، فَالْوَجْهُ أَنَّ إثْبَاتَ مُسَمَّى الشَّوْطِ فِي اللُّغَةِ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الذَّهَابِ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالرُّجُوعِ مِنْهَا إلَى الصَّفَا، وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يُخَالِفُهُ فَيَبْقَى عَلَى الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ.

وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَسَافَةٌ يَعْدُوهَا الْفَرَسُ كَالْمَيْدَانِ وَنَحْوِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ الشَّوْطَ بَطِيءٌ: أَيْ بَعِيدٌ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأُمُورِ مَا تَعْرِفُ بِهِ صَدِيقَك مِنْ عَدُوِّك، فَسَبْعَةُ أَشْوَاطٍ حِينَئِذٍ قَطْعُ مَسَافَةٍ مَقْدِرَةٍ سَبْعَ مَرَّاتِ، فَإِذَا قَالَ: طَافَ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا سَبْعًا صُدِّقَ بِالتَّرَدُّدِ مِنْ كُلٍّ مَنْ الْغَايَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى سَبْعًا، بِخِلَافِ طَافَ بِكَذَا فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى أَنْ يَشْمَلَ بِالطَّوَافِ ذَلِكَ الشَّيْءَ، فَإِذَا قَالَ: طَافَ بِهِ سَبْعًا، كَانَ بِتَكْرِيرِهِ تَعْمِيمَهُ بِالطَّوَافِ سَبْعًا، فَمِنْ هُنَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حَيْثُ لَزِمَ فِي شَوْطِهِ كَوْنُهُ مِنْ الْمَبْدَإِ إلَى الْمَبْدَإِ، وَالطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ

فَرْعٌ

إذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ لِيَكُونَ خَتْمُ السَّعْيِ كَخَتْمِ الطَّوَافِ، كَمَا ثَبَتَ أَنَّ مَبْدَأَهُ بِالِاسْتِلَامِ كَمَبْدَئِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذْ فِيهِ نَصٌّ وَهُوَ مَا رَوَى الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ جَاءَ، حَتَّى إذَا حَاذَى الرُّكْنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّائِفِينَ أَحَدٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ.

وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سُتْرَةٌ» وَعَنْهُ «أَنَّهُ رَآهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ» إلَخْ وَبَابُ بَنِي سَهْمٍ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْيَوْمَ بَابُ الْعُمْرَةِ، لَكِنْ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ.

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ابْدَءُوا) اعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ " أَبْدَأُ " فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015