الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ. وَقَدْ تَعَيَّنَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيمَا رَوَاهُ سَمَّاهُ تَحِيَّةً، وَهُوَ دَلِيلٌ الِاسْتِحْبَابِ
(وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ طَوَافُ الْقُدُومِ) لِانْعِدَامِ الْقُدُومِ فِي حَقِّهِمْ. قَالَ (ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا فَيَصْعَدُ عَلَيْهِ وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ. وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَدْعُو اللَّهَ لِحَاجَتِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَعِدَ الصَّفَا حَتَّى إذَا نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ قَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو اللَّهَ» وَلِأَنَّ الثَّنَاءَ وَالصَّلَاةَ يُقَدَّمَانِ عَلَى الدُّعَاءِ تَقْرِيبًا إلَى الْإِجَابَةِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الدَّعَوَاتِ. وَالرَّفْعُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ. وَإِنَّمَا يَصْعَدُ بِقَدْرِ مَا يَصِيرُ الْبَيْتُ بِمَرْأًى مِنْهُ، لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالصُّعُودِ، وَيَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ. وَإِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بَابَ الصَّفَا لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْأَبْوَابِ إلَى الصَّفَا لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ.
قَالَ (ثُمَّ يَنْحَطُّ نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَيَمْشِي عَلَى هَيِّنَتِهِ فَإِذَا بَلَعَ بَطْنَ الْوَادِي يَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ سَعْيًا، ثُمَّ يَمْشِي عَلَى هَيِّنَتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَيَصْعَدُ عَلَيْهَا وَيَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَزَلَ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الثَّانِي فِي الْكِتَابِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الدَّلِيلُ الْقَائِلُ: إنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29] وَقَدْ تَعَيَّنَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُفِيدُ لَوْ ادَّعَى فِي طَوَافِ الْقُدُومِ الرُّكْنِيَّةَ بِدَعْوَى الِافْتِرَاضِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مُدَّعَاهُ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا) مُقَدِّمًا رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَالَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ قَائِلًا " بِاسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا. وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ " (قَوْلُهُ: وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ) وَفِي الْأَصْلِ قَالَ " فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُلَبِّي. وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَدْعُو اللَّهَ لِحَاجَتِهِ ".
وَقَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ قَوْلَهُ " فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَأَعَزَّ جُنْدَهُ. وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ " ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.