وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا (وَيَخْتِمُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ) يَعْنِي اسْتِلَامَ الْحَجَرِ.
قَالَ (ثُمَّ يَأْتِي الْمَقَامَ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سُنَّةٌ لِانْعِدَامِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلِيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ (ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مُنْذُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُمَا " فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ يَسْتَلِمُهُ فَلَمْ يَتْرُكْهُ هُوَ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مُحَافَظَةً مِنْهُ عَلَى الْأَمْرِ الْمُسْتَحَبِّ، وَكَذَا مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ " مَسْحُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ يَحُطُّ الْخَطَايَا حَطًّا " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ: هَذَا نَدْبٌ، وَالْمَنْدُوبُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ.
نَعَمْ مَا فِي الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ " وَأَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ " وَيَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ " ظَاهِرٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ.
وَأَظْهَرُ مِنْهُ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ فِي كُلِّ طَوَافِهِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَعَنْ مُجَاهِدٍ " مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ ثُمَّ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ " وُكِّلَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَمَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالُوا: آمِينَ ".
وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِخَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
(قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلْيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» ) لَمْ يُعْرَفْ هَذَا الْحَدِيثُ.
نَعَمْ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُمَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ، إلَّا أَنَّ مُفِيدَ الْوُجُوبِ مِنْ الْفِعْلِ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْفِعْلِ إذْ هُوَ يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ الْمَقْرُونَةَ بِعَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً، وَقَدْ يَثْبُتُ اسْتِدْلَالًا بِمَا يَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ نَفْسِ الْمَطْلُوبِ فَيَثْبُتَانِ مَعًا. وَهُوَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا انْتَهَى إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] نَبَّهَ بِالتِّلَاوَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ هَذِهِ امْتِثَالًا لِهَذَا الْأَمْرِ.
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، إلَّا أَنَّ اسْتِفَادَةَ ذَلِكَ مِنْ التَّنْبِيهِ وَهُوَ ظَنِّيٌ، فَكَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبَ أَيْ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ، وَيَلْزَمُهُ حُكْمُنَا بِمُوَاظَبَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ إذْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا طَافَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ» وَهُوَ لَا يُفِيدُ عُمُومَ فِعْلِهِ إيَّاهُمَا عَقِيبَ كُلِّ طَوَافٍ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُرْسَلًا أَخْبَرَنَا مِنْدَلٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا قَالَ إسْمَاعِيلُ: قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: إنَّ عَطَاءً يَقُولُ تُجْزِيهِ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ، لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْبُوعًا قَطُّ إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. وَقَوْلُ شُذُوذٍ مِنَّا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَا وَاجِبَتَيْنِ عَقِبَ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ لَا غَيْرُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ. وَيُكْرَهُ وَصْلُ الْأَسَابِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَسَنَذْكُرُ تَمَامَ هَذَا فِي فُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِالطَّوَافِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَوْ نَسِيَهُمَا فَلَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي طَوَافٍ آخَرَ إنْ كَانَ قَبْلَ إتْمَامِ شَوْطٍ رَفَضَهُ. وَبَعْدَ إتْمَامِهِ لَا لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ