(فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ يَنْوِي بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ (وَالتَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَك) وَقَوْلُهُ إنَّ الْحَمْدَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ لَا بِفَتْحِهَا لِيَكُونَ ابْتِدَاءً لَا بِنَاءً
ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ اهـ.
وَأَنْتَ عَلِمْتَ مَا فِي ابْنِ إِسْحَاقَ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ، وَصَحَّحْنَا تَوْثِيقَهُ، وَمَا فِي خُصَيْفٍ آنِفًا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ مُسْلِمًا قَدْ يَخْرُجُ عَمَّنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِ الْجُرْحِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ وَبِهِ يَقَعُ الْجَمْعُ وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا نَوَى بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ) أَيْ إنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ نَوَاهُ، لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطُ الْعِبَادَاتِ، وَإِنْ ذَكَرَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ إلَخْ فَحَسَنٌ لِيَجْتَمِعَ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ، وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ فَلَا، وَلَمْ نَعْلَمْ الرُّوَاةَ لِنُسُكِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَصْلًا فَصْلًا قَطُّ رَوَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ سَمِعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ: «نَوَيْتُ الْعُمْرَةَ وَلَا الْحَجَّ» (قَوْلُهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ لَا بِفَتْحِهَا) يَعْنِي فِي الْوَجْهِ الْأَوْجَهِ، وَأَمَّا فِي الْجَوَازِ فَيَجُوزُ وَالْكَسْرُ عَلَى اسْتِئْنَافِ الثَّنَاءِ وَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ لِلذَّاتِ، وَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلتَّلْبِيَةِ أَيْ لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ.
هَذَا وَإِنْ كَانَ اسْتِئْنَافُ الثَّنَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ مَعَ الْكَسْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَعْلِيلًا مُسْتَأْنَفًا كَمَا فِي قَوْلِك عَلِّمْ ابْنَك الْعِلْمَ إنَّ الْعِلْمَ نَافِعُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] وَهَذَا مُقَرَّرٌ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ لَكِنْ لَمَّا جَازَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَتْحِ لَيْسَ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنَّهُ صِفَةُ الْأُولَى يُرِيدُ مُتَعَلِّقًا بِهِ. وَالْكَلَامُ فِي مَوَاضِعَ.
الْأَوَّلُ: لَفْظُ لَبَّيْكَ وَمَعْنَاهَا لَفْظُهَا مَصْدَرٌ مُثَنَّى تَثْنِيَةً يُرَادُ بِهَا التَّكْثِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] أَيْ كَرَّاتٍ كَثِيرَةً وَهُوَ مَلْزُومُ النَّصْبِ كَمَا تَرَى وَالْإِضَافَةُ وَالنَّاصِبُ لَهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ تَقْدِيرُهُ أَجَبْتُك إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَكَأَنَّهُ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ، وَيُعْرَفُ بِهَذَا مَعْنَاهَا فَتَكُونُ مَصْدَرًا مَحْذُوفَ الزَّوَائِدِ، وَالْقِيَاسِيُّ مِنْهُ إلْبَابٌ وَمُفْرَدُ لَبَّيْكَ لَبٌّ. وَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ لَبٌّ عَلَى أَنَّهُ مُفْرَدُ لَبَّيْكَ،