وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الزِّيَادَةِ تَطَوُّعًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يُعَوِّلْ عَلَى رَأْيِهِ أَحَدٌ، إذْ لَا يُعَوَّلُ عَلَى الرَّأْيِ مَعَ مُعَارِضَةِ النَّصِّ لَهُ فَدَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ أَحَدٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ حَضَرَهُ خِلَافَهُ، وَيَلْزَمُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ " مَعَ بَعْضِهِمْ " مِنْ إخْرَاجِ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ وَلَا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ، بَلْ إمَّا مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ أَوْ مَعَ وُجُودِهِ وَعِلْمِهِ بِأَنْ فَعَلَ الْبَعْضُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ تَطَوُّعًا، هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ الْحِنْطَةَ فِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ مَمْنُوعٌ.
فَقَدْ رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلٍ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمْ تَكُنْ الصَّدَقَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالشَّعِيرُ وَلَمْ تَكُنْ الْحِنْطَةُ» وَمِمَّا يُنَادِي بِهِ مَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَفْسِهِ كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ»
، فَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ مِنْ طَعَامِهِمْ الَّذِي يُخْرَجُ لَبَادَرَ إلَى ذِكْرِهِ قَبْلَ الْكُلِّ إذْ فِيهِ صَرِيحُ مُسْتَنَدِهِ فِي خِلَافِ مُعَاوِيَةَ، وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ كَوْنُ الطَّعَامِ فِي حَدِيثِهِ الْأَوَّلِ مُرَادًا بِهِ الْأَعَمَّ لَا الْحِنْطَةَ بِخُصُوصِهَا فَيَكُونُ الْأَقِطُ وَمَا بَعْدَهُ فِيهِ عَطْفُ الْخَاصِرِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ دَعَا إلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ خِلَافُ الظَّاهِرِ هَذَا الصَّرِيحَ عَنْهُ، وَيَلْزَمُهُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ لَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ إلَخْ لَا أَزَالُ أُخْرِجُ الصَّاعَ: أَيْ كُنَّا إنَّمَا نُخْرِجُ مِمَّا ذَكَرْته صَاعًا وَحِينَ كَثُرَ هَذَا الْقُوتُ الْآخَرُ فَإِنَّمَا أُخْرِجُ مِنْهُ أَيْضًا ذَلِكَ الْقَدْرُ.
وَحَاصِلُهُ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ التَّقْوِيمَ بَلْ أَنَّ الْوَاجِبَ صَاعٌ، غَيْرَ أَنَّهُ اُتُّفِقَ أَنَّ مَا مِنْهُ الْإِخْرَاجُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ غَيْرَ الْحِنْطَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْإِخْرَاجُ مِنْهَا لَأُخْرِجَ صَاعٌ، ثُمَّ يَبْقَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي فِجَاجِ مَكَّةَ: أَلَا إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الطَّعَامِ» وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ اهـ. وَهُوَ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ فِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ وَالْأَمَانَةِ فِي الْمُرْسَلِ.
وَمَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ صَارِخًا بِمَكَّةَ: إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَتَمْرٍ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ: «أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأَعَلَّهُ غَيْرُهُ بِيَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ضَعَّفَهُ الْعُقَيْلِيُّ. وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَهُوَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ.
وَمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ صَائِحًا فَصَاحَ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ» وَإِعْلَانُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لَهُ بِعَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: ضَعَّفُوهُ.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: هَذَا خَطَأٌ مِنْهُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا ضَعَّفَهُ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورِ الْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَاتِمٍ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ مَكِّيٌّ مَعْرُوفٌ أَحَدُ الْعُبَّادِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ رَوَوْا عَنْهُ مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ وَمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ وَقَالَ: يُعْرَفُ اهـ. فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا إرْسَالٌ وَهُوَ حُجَّةٌ بِانْفِرَادِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا اعْتَضَدَ بِمُرْسَلٍ آخَرَ يَرْوِي مِنْ غَيْرِ شُيُوخِ الْآخَرِ كَانَ حُجَّةً، وَقَدْ اعْتَضَدَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الْحَسَنِ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ خَطَبَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ بِالْبَصْرَةِ إلَى أَنْ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ