قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ. فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ، وَقَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِيمَنْ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَمَنْ لَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ فَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ كَانَ مَصْرِفًا وَمَنْ لَا فَلَا لِأَنَّ إنَّمَا تُفِيدُ الْحَصْرَ فَيَثْبُتُ النَّفْيُ عَنْ غَيْرِهِمْ. (قَوْلُهُ: سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ) كَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ كُفَّارٌ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُعْطِيهِمْ لِيَتَأَلَّفَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقِسْمٌ كَانَ يُعْطِيهِمْ لِيَدْفَعَ شَرَّهُمْ، وَقِسْمٌ أَسْلَمُوا وَفِيهِمْ ضَعِيفٌ فِي الْإِسْلَامِ. فَكَانَ يَتَأَلَّفُهُمْ لِيَثْبُتُوا، وَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِ السُّؤَالِ الْقَائِلِ كَيْفَ يَجُوزُ صَرْفُ الصَّدَقَةِ إلَى الْكُفَّارِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ كَانَ مِنْ جِهَادِ الْفُقَرَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ مِنْ الْجِهَادِ لِأَنَّهُ تَارَةً بِالسِّنَانِ، وَمَرَّةً بِالْإِحْسَانِ لِأَنَّ الَّذِي إلَيْهِ نُصِبَ الشَّرْعُ إذَا نَصَّ عَلَى الصَّرْفِ إلَيْهِمْ وَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ هُمْ بِالْإِعْطَاءِ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَشْرُوعُ وَالْأَسْئِلَةُ عَلَى مَا يُجْتَهَدُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ نُبُوٍّ عَنْ الْمَنْصُوصِ أَوْ الْقَوَاعِدِ الَّتِي تُعْطِيهَا الْعُمُومَاتُ حَتَّى يُجَابَ بِمَا يُفِيدُ إدْرَاجَهَا فِي نُصُوصِ الشَّارِعِ أَوْ قَوَاعِدِهِ الْمُفَادَةُ بِالْعُمُومَاتِ أَوْ بِاللَّوَازِمِ لِأَحَدِهِمَا فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ نَفْسُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قُلْت: السُّؤَالُ مَعْنَاهُ طَلَبُ حِكْمَةِ الْمَشْرُوعِ الْمَنْصُوصِ. قُلْنَا: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جَوَابُهُ بِنَفْسِ مَا عَلَّلْنَا بِهِ إعْطَاءَ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ لَا بِمَا أَجَابُوا بِهِ فَتَأَمَّلْ مُسْتَعِينًا. ثُمَّ رَوَى الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ «يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ سُفْيَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَمِنْ بَنَى مَخْزُومٍ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَرْبُوعٍ، وَمِنْ بَنِي جُمَحٍ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمِنْ فَزَارَةَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَمِنْ بَنِي تَمِيمٍ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَمِنْ بَنِي نَصْرٍ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٍ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، وَمِنْ ثَقِيفٍ الْعَلَاءُ بْنُ حَارِثَةَ أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِائَةَ نَاقَةٍ إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَرْبُوعٍ، وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى، فَإِنَّهُ أَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمَا خَمْسِينَ» وَأَسْنَدَ أَيْضًا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ جَاءَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] يَعْنِي لَيْسَ الْيَوْمَ مُؤَلَّفَةٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ إنَّمَا كَانَتْ الْمُؤَلَّفَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -