الْعُشْرُ وَلَهُ مَا رَوَيْنَا، وَمَرْوِيُّهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةٍ يَأْخُذُهَا الْعَاشِرُ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تُسْتَنْمَى بِمَا لَا يَبْقَى وَالسَّبَبُ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْيَ الْعُشْرِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ سَوْقُهَا يَطُولُ فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ. وَرَوَى الْحَاكِمُ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا وَصَحَّحَهُ، وَغُلِّطَ بِأَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ يَحْيَى تَرَكَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ مُعَاذٍ مُرْسَلٌ عَنْ عُمَرَ، وَمُعَاذٌ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَرِوَايَةُ مُوسَى عَنْهُ مُرْسَلَةٌ. وَمَا قِيلَ: إنَّ مُوسَى هَذَا وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمَّاهُ لَمْ يَثْبُتْ. وَالْمَشْهُورُ فِي هَذَا مَا رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ» وَأَحْسَنُ مَا فِيهَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا لَكِنْ يَجِيءُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيمٍ مِنْ الْعَامِّ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَنْفِيَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا الْعَاشِرُ إذَا مَرَّ بِهَا عَلَيْهِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظُ هَذَا الْمُرْسَلِ. إذْ قَالَ نَهَى أَنْ يُؤْخَذَ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ وُجُوبِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالِكُ لِلْفُقَرَاءِ. وَالْمَعْقُولُ مِنْ هَذَا النَّهْيِ أَنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْمَصْلَحَةِ عَلَى الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ لَيْسُوا مُقِيمِينَ عِنْدَ الْعَاشِرِ وَلَا بَقَاءَ لِلْخُضْرَوَاتِ فَتَفْسُدُ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ؛ وَلِذَا قُلْنَا: لَوْ أَخَذَ مِنْهَا الْعَاشِرُ لِيَصْرِفَهُ إلَى عِمَالَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ وَالسَّبَبُ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ) أَيْ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا فِي حَقِّ الْعُشْرِ، وَلِذَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَبْلَ السَّبَبِ، فَإِذَا أَخْرَجَتْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لَوْ لَمْ نُوجِبْ شَيْئًا لَكَانَ إخْلَاءً لِلسَّبَبِ عَنْ الْحُكْمِ، وَحَقِيقَةُ الِاسْتِدْلَالِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَامِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلِ الْجُعْلِ، وَالْمُفِيدُ لِسَبَبِيَّتِهَا كَذَلِكَ هُوَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ الْخَاصُّ أَفَادَ أَنَّ السَّبَبَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِإِخْرَاجِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ هَذَا مُسْتَقِلًّا بَلْ هُوَ فَرْعُ الْعَامِّ الْمُفِيدِ سَبَبِيَّتَهَا مُطْلَقًا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَنْعِ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ أَجَازَهُ بَعْدَ الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الثَّمَرَةِ فِي الشَّجَرِ، هَكَذَا حَكَى مَذْهَبَهُ فِي