وَالْمُرَادُ بِهِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنٌ النَّذْرَ وَالْكَفَّارَةَ، وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ، وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا عَدَمَ الشُّغْلِ فِي الْمُوجِبِ لِأَنَّ مَعَهُ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ دَفْعُ الْمُطَالَبَةِ وَالْمُلَازَمَةِ وَالْحَبْسِ فِي الْحَالِ وَالْمُؤَاخَذَةِ فِي الْمَآلِ، إذْ الدَّيْنُ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ، وَأَيُّ حَاجَةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ فَصَارَ كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ الْعَطَشِ وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ، وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ مَعْدُومًا حَتَّى جَازَ التَّيَمُّمُ مَعَ ذَلِكَ الْمَاءِ وَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ وَإِنْ بَلَغَتْ ثِيَابُ الْبِذْلَةِ نُصُبًا.
وَمَا فِي الْكَافِي مِنْ إثْبَاتِ الْمُنَافَاةِ الشَّرْعِيَّةِ بَيْنَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَحِلِّ أَخْذِهَا لَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ عَدَمِهَا شَرْعًا كَمَا فِي ابْنِ السَّبِيلِ يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا. وَتَقْرِيرُهُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا حُرِّمَ الْأَخْذُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» وَإِلَّا حُرِّمَ الْأَخْذُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّا نَخْتَارُ الشِّقَّ الْأَوَّلَ وَنَمْنَعُ كَوْنَ الْغِنَى الشَّرْعِيِّ مُنْحَصِرٌ فِيمَا يُحَرِّمُ الْأَخْذَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ» لِغَنِيٍّ مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ بِابْنِ السَّبِيلِ، فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ الْمَشَايِخُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَخْلُصَ أَمْوَالُهُ، فَيُؤَدِّيَ مِنْهَا الزَّكَاةَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، ثُمَّ إذَا سَقَطَ الدَّيْنُ كَأَنْ أَبْرَأَ الدَّائِنُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ اُعْتُبِرَ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ سُقُوطِهِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ لِلْمُطَالَبَةِ، وَبِالْإِبْرَاءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْحَوْلُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى نِصَابِ الْمَدْيُونِ فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِحَاجَتِهِ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ) وَكَذَا دَيْنُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْحَجِّ وَهَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْأُضْحِيَّةِ لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ، بِخِلَافِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَنَفَقَةٍ فُرِضَتْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُطَالِبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَ وَعَرَفَهَا سَنَةً ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ مُتَيَقَّنًا لِاحْتِمَالِ إجَازَةِ صَاحِبِ الْمَالِ الصَّدَقَةَ (قَوْلُهُ وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ) صُورَتُهُ: لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ لَمْ يُزَكِّهِ فِيهِمَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي لِأَنَّ خَمْسَةً مِنْهُ مَشْغُولَةٌ بِدَيْنِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ الْفَاضِلُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي عَنْ الدَّيْنِ نِصَابًا كَامِلًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يُزَكِّهَا حَوْلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الْأُولَى بِنْتُ مَخَاضٍ وَلِلْحَوْلِ الثَّانِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ (قَوْلُهُ وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ) صُورَتُهُ: لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ