ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]
(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) مُنَاسَبَتُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ تَنْصِيفُ الصَّلَاةِ لِعَارِضٍ، إلَّا أَنَّ التَّنْصِيفَ هُنَا فِي خَاصٍّ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الظُّهْرُ، وَفِيمَا قَبْلَهُ فِي كُلِّ رُبَاعِيَّةٍ، وَتَقْدِيمُ الْعَامِّ هُوَ الْوَجْهُ، وَلَسْنَا نَعْنِي أَنَّ الْجُمُعَةَ تَنْصِيفُ الظُّهْرِ بِعَيْنِهِ بَلْ هِيَ فَرْضُ ابْتِدَاءٍ نِسْبَتُهُ النِّصْفُ مِنْهَا. وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةٌ مَحْكَمَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، يُكَفَّرُ جَاحِدُهَا، قَالَ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] رَتَّبَ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ لِلذِّكْرِ عَلَى النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ الصَّلَاةُ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ الْخُطْبَةَ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يُفِيدُ افْتِرَاضَ الْجُمُعَةِ، فَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَالثَّانِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ افْتِرَاضَ السَّعْيِ إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ لِغَيْرِهِ فَرْعُ افْتِرَاضِ ذَلِكَ الْغَيْرِ.
أَوَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ إلَى الْخُطْبَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمَذْكُورُ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ وَهُوَ الْأَحَقُّ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِمَا مَعًا، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً: مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ طَارِقٌ: رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ انْتَهَى. وَلَيْسَ هَذَا قَدْحًا فِي صُحْبَتِهِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ وَهُوَ حُجَّةٌ بَلْ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ أَوْ مُسَافِرٍ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرَوَيْهِ، وَزَادَ فِيهِ «الْمَرْأَةُ وَالْمَرِيضُ» ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ» ، وَعَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمُعَاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كُتِبَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ فَلَا يَضُرُّهُ تَضْعِيفُ جَابِرٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ جُمَعٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ» .
وَهَذَا