لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَانْعَدَمَتْ الْجِنَايَةُ، وَلِهَذَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا بِالْإِجْمَاعِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْتَظَرَ الْيَأْسُ فِي ذَلِكَ لِلْقِصَاصِ، إلَّا أَنَّ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ تَضْيِيعَ الْحُقُوقِ فَاكْتَفَيْنَا بِالْحَوْلِ لِأَنَّهُ تَنْبُتُ فِيهِ ظَاهِرًا، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ وَلَمْ تَنْبُتْ قَضَيْنَا بِالْقِصَاصِ، وَإِذَا نَبَتَتْ تَبَيَّنَ أَنَّا أَخْطَأْنَا فِيهِ وَالِاسْتِيفَاءُ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْمَالُ. قَالَ: (وَلَوْ ضَرَبَ إنْسَانٌ سِنَّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَتْ يُسْتَأْنَى حَوْلًا) لِيَظْهَرَ أَثَرُ فِعْلِهِ (فَلَوْ أَجَّلَهُ الْقَاضِي سَنَةً ثُمَّ جَاءَ الْمَضْرُوبُ وَقَدْ سَقَطَتْ سِنُّهُ فَاخْتَلَفَا قَبْلَ السَّنَةِ فِيمَا سَقَطَ بِضَرْبِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ) لِيَكُونَ التَّأْجِيلُ مُفِيدًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَجَاءَ وَقَدْ صَارَتْ مُنَقِّلَةً فَاخْتَلَفَا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الضَّارِبِ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُورِثُ الْمُنَقِّلَةَ، أَمَّا التَّحْرِيكُ فَيُؤَثِّرُ فِي السُّقُوطِ فَافْتَرَقَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَمِمَّا يُعَضِّدُهُ كَلَامُ تَاجِ الشَّرِيعَةِ هُنَا حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ هُنَا، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَفْصِلًا مِنْ أُصْبُعٍ فَشُلَّ الْبَاقِي فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْكُلِّ الْأَرْشُ وَيُجْعَلُ كُلُّهُ جِنَايَةً وَاحِدَةً انْتَهَى تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ يُؤَجَّلُ سَنَةً بِالْإِجْمَاعِ. وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّ سِنَّ الْبَالِغِ إذَا سَقَطَ يُنْتَظَرُ حَتَّى يَبْرَأَ مَوْضِعُ السِّنِّ لَا الْحَوْلَ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ نَبَاتَ سِنِّ الْبَالِغِ نَادِرٌ فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلُ، إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْبُرْءِ لَا يُقْتَصُّ وَلَا يُؤْخَذُ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي عَاقِبَتَهُ انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ إجْمَالًا: وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، لِأَنَّ الْحَوْلَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ الْإِنْسَانِ، فَلَعَلَّ فَصْلًا مِنْهَا يُوَافِقُ مِزَاجَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَيُؤَثِّرُ فِي إنْبَاتِهِ. وَقَالَ: وَلَكِنَّ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: الِاسْتِينَاءُ حَوْلًا فِي فَصْلِ الْقَلْعِ فِي الْبَالِغِ وَالصَّغِيرِ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْجِرَاحَاتِ كُلِّهَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا» وَهُوَ كَمَا تَرَى يُنَافِي الْإِجْمَاعَ انْتَهَى.

أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، لِأَنَّ الَّذِي يُنَافِي الْإِجْمَاعَ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ إنَّمَا هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: أَيْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ، لَكِنَّ مَفْهُومَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ إجْمَاعِ الْمَشَايِخِ لَا عَدَمُ إجْمَاعِ الْمُجْتَهِدِينَ. وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْإِجْمَاعِ فِي قَوْلِهِ وَلِهَذَا يُسْتَأْتَى حَوْلًا بِالْإِجْمَاعِ إنَّمَا هُوَ إجْمَاعُ الْمُجْتَهِدِينَ دُونَ إجْمَاعِ الْمَشَايِخِ، وَانْتِفَاءُ أَحَدِ الْإِجْمَاعَيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْآخَرِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَشَايِخَ كَثِيرًا مَا يَخْتَلِفُونَ فِي رِوَايَةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ، فَبَعْضُهُمْ يَرْوِي اجْتِمَاعَ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهَا وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي اخْتِلَافَهُمْ فِيهَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، كَمَا يُشْعِرُ بِهِ مَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَنَقَلَ النَّاطِفِيِّ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةَ ابْنِ سِمَاعَةَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: رَجُلٌ قَلَعَ سِنَّ رَجُلٍ لَا أَنْتَظِرُ بِهَا حَوْلًا، وَإِنَّمَا أَنْتَظِرُ بِسِنِّ الصَّبِيِّ وَأَقْضِي عَلَيْهِ بِأَرْشِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَبَاتَ السِّنِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ نَادِرٌ، وَإِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِثْلُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ النَّاطِفِيُّ أَيْضًا. قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: لَوْ نَزَعَ سِنَّ صَبِيٍّ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ ضَمِينًا مِنْ النَّازِعِ لِلْمَنْزُوعِ سِنُّهُ وَيُؤَجِّلَهُ سَنَةً مُنْذُ يَوْمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015