وَلَنَا أَنَّ هَذَا بَعْضُ بَدَلِ الدَّمِ وَكُلَّهُ مُؤَجَّلٌ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ بَعْضُهُ، وَالْوَاجِبُ فِي الْيَدِ كُلُّ بَدَلِ الطَّرَفِ وَهُوَ فِي سَنَتَيْنِ فِي الشَّرْعِ وَيَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ. .
قَالَ: (وَإِذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْ جَمِيعِهِمْ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّارِحُ هَاهُنَا نَغْمَةً فِي الطُّنْبُورِ حَيْثُ زَادَ فَسَادًا عَلَى فَسَادٍ، لِأَنَّهُ مَعَ إتْيَانِهِ فِي تَضَاعِيفِ شَرْحِهِ بِمَا يُقَرِّرُ أَنْ لَا يَتِمَّ هَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُمَا أَوَّلًا لِلْمَيِّتِ ثُمَّ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ صَرَّحَ بِأَنَّهُمَا يَعْنِي الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ مَوْرُوثَانِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِالِاتِّفَاقِ.
وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَوْرُوثٍ مِنْ الْمَقْتُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَالتَّصْرِيحُ بِالِاتِّفَاقِ فَسَادٌ فَوْقَ فَسَادٍ، وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ
(قَوْلُهُ وَإِذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْ جَمِيعِهِمْ لِقَوْلِ عُمَرَ فِيهِ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ.
وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَلْزَمُهُمْ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ مِنْ الظُّلْمِ عَلَى الْمُعْتَدِي وَفِي النُّقْصَانِ مِنْ الْبَخْسِ بِحَقِّ الْمُعْتَدِي عَلَيْهِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْعَشَرَةِ وَالْوَاحِدِ هَذَا شَيْءٌ يُعْلَمُ بِبَدَاهَةِ الْعَقْلِ، فَالْوَاحِدُ مِنْ الْعَشَرَةِ يَكُونُ مَثَلًا لِلْوَاحِدِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْعَشَرَةُ مَثَلًا لِلْوَاحِدِ. وَأَيَّدَ هَذَا الْقِيَاسَ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَذَلِكَ يَنْفِي مُقَابَلَةَ النُّفُوسِ بِنَفْسٍ، وَلَكِنْ تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا فَقَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ مُؤَيَّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَقَالَ فِي بَيَانِهِ: وَذَلِكَ يَنْفِي مُقَابَلَةَ النُّفُوسِ بِنَفْسٍ، فَعَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ هَذَا الْقِيَاسِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِمَدْلُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي قَضَائِهِ وَقَوْلِهِ الْمَزْبُورَيْنِ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ قَوْلَ صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ وَفِعْلَهُ لَا يَصْلُحَانِ لِلْمُعَارَضَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَضْلًا عَنْ الرُّجْحَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حَيْثُ كَانُوا مُتَوَافِرَيْنِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَحَلَّ مَحَلُّ الْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا فَكَذَلِكَ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ