لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَلَا إثْمَ فِيهِ) يَعْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ
قَالُوا: الْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ، فَأَمَّا فِي نَفْسِهِ فَلَا يَعْرَى عَنْ الْإِثْمِ مِنْ حَيْثُ تَرْكُ الْعَزِيمَةِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي التَّثَبُّتِ فِي حَالِ الرَّمْيِ، إذْ شَرْعُ الْكَفَّارَةِ يُؤْذِنُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى (وَيُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إثْمًا فَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْحِرْمَانِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَمَّدَ الضَّرْبَ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ فَمَاتَ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ وُجِدَ بِالْقَصْدِ إلَى بَعْضِ بَدَنِهِ، وَجَمِيعُ الْبَدَنِ كَالْمَحَلِّ الْوَاحِدِ
قَالَ (وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ مِثْلُ النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَطَأِ فِي الشَّرْعِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَمُوجِبُهُ إذَا تَلِفَ فِيهِ آدَمِيٌّ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَأُنْزِلَ مَوْقِعًا دَافِعًا فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُلْحَقُ بِالْخَطَإِ فِي أَحْكَامِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَنْزَلَهُ قَاتِلًا
وَلَنَا أَنَّ الْقَتْلَ مَعْدُومٌ مِنْهُ حَقِيقَةً فَأُلْحِقَ بِهِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ إنْ كَانَ يَأْثَمُ بِالْحَفْرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَا يَأْثَمُ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا قَالُوا، وَهَذِهِ كَفَّارَةُ ذَنْبِ الْقَتْلِ وَكَذَا الْحِرْمَانُ بِسَبَبِهِ (وَمَا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا سِوَاهَا) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ، وَمَا دُونَهَا لَا يَخْتَصُّ إتْلَافُهُ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا رَمَى الْغَرَضَ فَأَخْطَأَ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ كَمَا إذَا رَمَى الْغَرَضَ فَأَخْطَأَ عَامًّا كَصُورَتَيْ صُدُورِ مَا قَصَدَهُ أَيْضًا وَعَدَمِ صُدُورِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فَطَانَةٍ
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ تَحَقُّقَ الْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ فِي صُورَةِ إنْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَشَبَةٌ أَوْ لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا مَمْنُوعٌ، بَلْ الْمُتَحَقَّقُ هُنَاكَ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ كَالنَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ لَا نَفْسُ الْخَطَأِ؛ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ صُدُورِ فِعْلٍ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَفِي صُورَةِ إنْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ شَيْءٌ فَقَتَلَ رَجُلًا لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ فِعْلٌ بِاخْتِيَارِهِ بَلْ وَقَعَ السُّقُوطُ بِفِعْلِهِ لَا بِاخْتِيَارٍ فَصَارَ لَا مَحَالَةَ مِنْ قَبِيلِ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي نَفْسِ الْخَطَإِ لَا فِيمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ فَإِنَّهُ قِسْمٌ آخَرُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ لِلْجِنَايَةِ سَيَأْتِي ذِكْرُهُ مُسْتَقِلًّا فِيمَا بَعْدُ (قَوْلُهُ وَلَا إثْمَ فِيهِ: يَعْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ) أَقُولُ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: يَعْنِي فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ؛ إذْ يَحْصُلُ حِينَئِذٍ إصْلَاحُ إفْرَادِ الضَّمِيرِ أَيْضًا