قَالَ (إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ أَوْ يُصَالِحُوا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ ثُمَّ هُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الْعُدُولِ إلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ فَيَجُوزُ بِدُونِ رِضَاهُ، وَفِي قَوْلِ الْوَاجِبِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ شُرِعَ جَابِرًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ نَوْعُ جَبْرٍ فَيَتَخَيَّرُ
وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَرَوَيْنَا مِنْ السُّنَّةِ، وَلِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ، وَالْقِصَاصُ يَصْلُحُ لِلتَّمَاثُلِ، وَفِيهِ مَصْلَحَةُ الْأَحْيَاءِ زَجْرًا وَجَبْرًا فَيَتَعَيَّنُ، وَفِي الْخَطَإِ وُجُوبُ الْمَالِ ضَرُورَةَ صَوْنِ الدَّمِ عَنْ الْإِهْدَارِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQحُجَّتِهِ أَنَّ الْعَمْدِيَّةَ تَتَكَامَلُ بِهَا الْجِنَايَةُ، وَكُلُّ مَا كَانَ يَتَكَامَلُ بِهِ الْجِنَايَةُ كَانَتْ حِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا أَكْمَلَ، وَقَالَ فِي تَقْرِيرِ الْأُخْرَى وَتَقْرِيرُهَا الْقَوَدَ عُقُوبَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ، وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ الْعَمْدِيَّةِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ انْتَهَى
أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْعُقُوبَةَ الْمُتَنَاهِيَةَ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ الْعَمْدِيَّةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى كَوْنِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مُقَيَّدَةً بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى إطْلَاقِهَا لَتَنَاوَلَتْ الْعَمْدَ وَشِبْهَهُ وَالْخَطَأَ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ الَّذِي هُوَ عُقُوبَةٌ كَامِلَةٌ مَشْرُوعًا دُونَ الْعَمْدِيَّةِ أَيْضًا بِمُقْتَضَى إطْلَاقِهَا، وَكَوْنُ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مُقَيَّدَة بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ هُوَ الْمُدَّعَى هَا هُنَا، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ حُجَّةً أُخْرَى يَلْزَمُ الْمُصَادَرَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ
وَأَيْضًا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يُفِيدَ الْمُدَّعِي مَا جَعَلَهُ حُجَّةً أُولَى؛ لِأَنَّ نَتِيجَتَهَا عَلَى مُقْتَضَى تَقْرِيرِهِ أَنَّ الْعَمْدِيَّةَ كَانَتْ حِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا أَكْمَلَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا أَنْ لَا تَتَحَقَّقَ حِكْمَةُ الزَّجْرِ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ أَصْلًا فَيَجُوزُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ أَيْضًا زَجْرًا عَنْهُ فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ
فَالصَّوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهُ وَالْمَجْمُوعُ حُجَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ لَفْظَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى تَكَامُلِ الْجِنَايَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ أَوْ إلَى تَوَفُّرِ حِكْمَةِ الزَّجْرِ كَمَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَقْرَبُ لَا إلَى الْعَمْدِيَّةِ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَيُفِيدُ مَجْمُوعُ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ الْقَوَدَ الَّذِي هُوَ عُقُوبَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مَسْكَةٍ
ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ فِي كَلَامِ