كِتَابُ الْجِنَايَاتِ قَالَ (الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: عَمْدٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هَا هُنَا بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ اسْتَوْفَى؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَسْأَلَةِ اسْتِيفَاءِ الْمُرْتَهِنِ الدَّيْنَ فِيمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ، وَبَيَّنَ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِبْرَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ مُسْتَوْفًى، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ هَا هُنَا بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ اسْتَوْفَى لَتَكَرَّرَ الْحَشْوُ فِي كَلَامِهِ، وَحَاشَا لَهُ عَنْ ارْتِكَابِ مِثْلِ ذَلِكَ
[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ]
أَوْرَدَ الْجِنَايَاتِ عَقِيبَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْوِقَايَةِ وَالصِّيَانَةِ، فَإِنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِصِيَانَةِ الْمَالِ، وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ لِصِيَانَةِ النَّفْسِ؛ أَلَا يَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَلَمَّا كَانَ الْمَالُ وَسِيلَةً لِبَقَاءِ النَّفْسِ قُدِّمَ الرَّهْنُ عَلَى الْجِنَايَاتِ بِنَاءً عَلَى تَقَدُّمِ الْوَسَائِلِ عَلَى الْمَقَاصِدِ، كَذَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ
قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَكِنْ قَدَّمَ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهَا مَحْظُورَةٌ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ انْتَهَى
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْكَامُ الْجِنَايَاتِ دُونَ أَنْفُسِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحْكَامَهَا مَشْرُوعَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا فَلَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ
ثُمَّ إنَّ الْجِنَايَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا تَجْنِيهِ مِنْ شَرٍّ تَكْسِبُهُ
وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا جِنَايَةً، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَقْبُحُ وَيَسُوءُ، إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ خُصَّ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَلَّ بِالنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ، وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى قَتْلًا وَهُوَ فِعْلٌ مِنْ الْعِبَادِ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ، وَالثَّانِي يُسَمَّى قَطْعًا وَجُرْحًا، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالشُّرُوحِ
(قَوْلُهُ الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: عَمْدٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَجْهُ الِانْحِصَارِ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ هُوَ أَنَّ الْقَتْلَ إذَا صَدَرَ عَنْ إنْسَانٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ حَصَلَ بِسِلَاحٍ أَوْ بِغَيْرِ سِلَاحٍ، فَإِنْ حَصَلَ بِسِلَاحٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ قَصْدُ الْقَتْلِ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ عَمْدٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ خَطَأٌ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسِلَاحٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ قَصْدُ التَّأْدِيبِ وَالضَّرْبِ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ هُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ، وَبِهَذَا