ِ الرَّهْنُ لُغَةً: حَبْسُ الشَّيْءِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ
وَفِي الشَّرِيعَةِ: جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَالدُّيُونِ
وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهِ دِرْعَهُ» وَقَدْ انْعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيُعْتَبَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (كِتَابُ الرَّهْنِ) مُنَاسَبَةُ كِتَابِ الرَّهْنِ لِكِتَابِ الصَّيْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّهْنِ وَالِاصْطِيَادِ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ كَذَا فِي الشُّرُوحِ
أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ الْمَذْكُورَةَ مُتَحَقِّقَةٌ بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ فَلَا تَكُونُ مُرَجِّحَةً لِإِيرَادِ كِتَابِ الرَّهْنِ عَقِيبَ كِتَابِ الصَّيْدِ
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْمُنَاسَبَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ تَقْتَضِي إيرَادَ كِتَابِ الرَّهْنِ عَقِيبَ كِتَابِ الصَّيْدِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَفْوِيتُ تِلْكَ الْمُنَاسِبَاتِ فَتَكُونُ مُرَجَّحَةً مَعَ تِلْكَ الْمُلَاحَظَةِ، وَقَدْ نَبَّهْت عَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي نَظَائِرِ هَذَا الْمَقَامِ فَلَا تَغْفُلْ
ثُمَّ مِنْ مَحَاسِنِ الرَّهْنِ حُصُولُ النَّظَرِ لِكُلٍّ مِنْ جَانِبَيْ الدَّائِنِ وَالْمَدْيُونِ كَمَا فَصَّلَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ
وَسَبَبُهُ مَا ذُكِرَ فِي سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ تَعَلُّقِ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ بِتَعَاطِيهِ
وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً وَشَرِيعَةً وَرُكْنُهُ وَشَرْطُ جَوَازِهِ وَشَرْطُ لُزُومِهِ وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ وَحُكْمُهُ فَيَجِيءُ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ شَيْئًا فَشَيْئًا صَرَاحَةً أَوْ إشَارَةً فَتَنَبَّهْ لَهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ الرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ حَبْسُ الشَّيْءِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَفِي الشَّرِيعَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَالدُّيُونِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا تَعْرِيفُ الرَّهْنِ التَّامِّ أَوْ اللَّازِمِ، وَإِلَّا فَفِي انْعِقَادِ الرَّهْنِ لَا يَلْزَمُ الْحَبْسُ بَلْ ذَلِكَ بِالْقَبْضِ انْتَهَى
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِانْعِقَادِ الرَّهْنِ مَعْنَى جَعْلِ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ، إلَّا أَنَّ لِلْعَاقِدِ الرُّجُوعَ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فَقَبْلَ الْقَبْضِ يُوجَدُ مَعْنَى الْحَبْسِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لِلرَّهْنِ إنَّمَا هُوَ نَفْسُ الْحَبْسِ لَا لُزُومُهُ، فَيَصْدُقُ هَذَا