كَالْجَوَابِ فِي الرَّمْيِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ أَوْ وَقَعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ لَمْ يُؤْكَلْ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَرَدِّيَةُ وَهِيَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ الْمَوْتَ بِغَيْرِ الرَّمْيِ؛ إذْ الْمَاءُ مُهْلِكٌ
وَكَذَا السُّقُوطُ مِنْ عَالٍ، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَإِنْ وَقَعَتْ رَمِيَّتُك فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك» (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً أُكِلَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَفِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الِاصْطِيَادِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ وَالْحِلِّ إذَا اجْتَمَعَا وَأَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَمَّا هُوَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ تُرَجَّحُ جِهَةُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ جَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ، فَمِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذَا وَقَعَ عَلَى شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجُرَّةٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ، وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ حَتَّى تَرَدَّى إلَى الْأَرْضِ، أَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ عَلَى قَصَبَةٍ قَائِمَةٍ أَوْ عَلَى حَرْفِ آجُرَّةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ حَدَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَتَلَهُ، وَمِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ عَلَى مَا هُوَ مَعْنَاهُ كَجَبَلٍ أَوْ ظَهْرِ بَيْتٍ أَوْ لَبِنَةٍ مَوْضُوعَةٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَرْضِ سَوَاءٌ
وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَفَى: لَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَحُمِلَ مُطْلَقُ الْمَرْوِيِّ فِي الْأَصْلِ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِانْشِقَاقِ، وَحَمَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ بِذَلِكَ، وَحَمَلَ الْمَرْوِيَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الْآجُرَّةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ إنَّمَا يَحْرُمُ بِالتَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ وَالْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ مَعًا
وَأَمَّا قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ وَقَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ كَلَامِهِ
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ فَيُعْذَرُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ تَوَارِي الصَّيْدِ عَنْ بَصَرِ الرَّامِي، فَكَانَ فِي اعْتِبَارِ عَدَمِ التَّوَارِي مُطْلَقًا حَرَجٌ عَظِيمٌ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنَّا أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ مَا دَامَ فِي طَلَبِهِ ضَرُورَةُ أَنْ لَا يَعْرَى الِاصْطِيَادُ عَنْهُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ تَوَارٍ يَكُونُ بِسَبَبِ عَمَلِهِ
وَذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ وَالْكَافِي «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِالرَّوْحَاءِ عَلَى حِمَارِ وَحْشٍ عَقِيرٍ فَتَبَادَرَ أَصْحَابُهُ إلَيْهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعُوهُ فَسَيَأْتِي صَاحِبُهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذِهِ رَمْيَتِي، وَأَنَا فِي طَلَبِهَا وَقَدْ جَعَلْتهَا لَك، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الرِّفَاقِ» انْتَهَى.
(قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً أُكِلَ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَرْضِ مَا يَقْتُلُهُ كَحَدِّ الرُّمْحِ وَالْقَصَبَةِ الْمَنْصُوبَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ انْتَهَى
أَقُولُ: هَذَا التَّقْيِيدُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ هَا هُنَا؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى نَحْوِ حَدِّ الرُّمْحِ وَالْقَصَبَةِ الْمَنْصُوبَةِ لَيْسَ بِوُقُوعٍ عَلَى الْأَرْضِ، وَلِهَذَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ قَسِيمًا لِلثَّانِي فِيمَا سَيَجِيءُ، وَعَدَّ الْأَوَّلَ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَالثَّانِيَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ قَوْلُهُ هَا هُنَا وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً مَا وَقَعَ عَلَى نَحْوِ حَدِّ الرُّمْحِ وَالْقَصَبَةِ الْمَنْصُوبَةِ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى أَنْ يُقَالَ: يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَرْضِ مَا يَقْتُلُهُ كَحَدِّ الرُّمْحِ وَالْقَصَبَةِ الْمَنْصُوبَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ