- رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَمَدَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ مَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهُ، وَإِنْ أَحْيَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَمْلِكُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ كَمَا فِي الْحَطَبِ وَالصَّيْدِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ نَفْسُ إمَامِهِ بِهِ» وَمَا رَوَيَاهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذْنٌ لِقَوْمٍ لَا نَصْبٌ لِشَرْعٍ، وَلِأَنَّهُ مَغْنُومٌ لِوُصُولِهِ إلَى يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ كَمَا فِي سَائِرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ أَعَمُّ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بَلْ مِنْ مُطْلَقِ الْأَرْضِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى تَعْرِيفِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ يَكُونُ تَعْرِيفًا بِالْأَخَصِّ، وَهُوَ لَيْسَ بِأَقَلَّ قُبْحًا مِنْ التَّعْرِيفِ بِالْأَعَمِّ، وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا يَظْهَرُ أَنَّهُ يُشْكِلُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَا: قَوْلُهُ الْمَوَاتُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ تَحْدِيدٌ لُغَوِيٌّ، وَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ أَشْيَاءُ أُخَرُ بَيَانُهَا فِي قَوْلِهِ فَمَا كَانَ عَادِيًا لَا مَالِكَ لَهُ أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فِي الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْقَرْيَةِ، بِحَيْثُ إذَا وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُ فَهُوَ مَوَاتٌ انْتَهَى.

تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ نَفْسُ إمَامِهِ بِهِ» ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ اُعْتُبِرَ عُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَمْلِكَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الْأَمْلَاكِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ مَعَ ظُهُورِ خِلَافِهِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَسْتَبِدُّ فِي التَّمْلِيكِ بِالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ عُمُومُهُ لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ هَاهُنَا. فَإِنْ قُلْت: عُمُومُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ. وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ. بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. قُلْت: كَوْنُ التَّمْلِيكِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ فَيَلْزَمُ الْمُصَادَرَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ.

(قَوْلُهُ وَمَا رَوَيَاهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذْنٌ لِقَوْمٍ لَا نَصْبٌ لِشَرْعٍ) تَقْرِيرُهُ: أَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا نَصْبُ الشَّرْعِ، وَالْآخَرُ إذْنٌ بِالشَّرْعِ. فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ» وَالْآخَرُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلْبُهُ» أَيْ لِلْإِمَامِ وِلَايَةٌ أَنْ يَأْذَنَ لِلْغَازِي بِهَذَا الْقَوْلِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْنًا لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ وَتَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ لَا نَصْبَ شَرْعٍ، فَكَذَلِكَ فِي يَوْمِنَا هَذَا مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَا يَكُونُ سَلْبُهُ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ بِهِ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ. وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُفَسَّرٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فَكَانَ رَاجِحًا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: مَا رَوَاهُ عَامٌّ خَصَّ مِنْهُ الْحَطَبَ وَالْحَشِيشَ. وَمَا رَوَيَاهُ لَمْ يُخَصَّ فَيَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى. قُلْت: مَا ذُكِرَ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا الِافْتِيَاتُ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْحَطَبُ وَالْحَشِيشُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا عُمُومُ الْحَدِيثِ فَلَمْ يَصِرْ مَخْصُوصًا، وَالْأَرْضُ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الْغَنَائِمِ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَإِيضَاعِ الرِّكَابِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ فَكَانَ مَا قُلْنَا أَوْلَى انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَالْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ كَوْنَ مَا رَوَاهُ عَامًّا خَصَّ مِنْهُ الْحَطَبَ وَالْحَشِيشَ إنَّمَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْعَمَلِ بِمَا رَوَيَاهُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ مِمَّا لَمْ يَخُصَّ أَنْ لَوْ خَصَّ الْحَطَبَ وَالْحَشِيشَ مِمَّا رَوَاهُ بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ بِهِ، إذْ يَصِيرُ الْعَامُّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ حِينَئِذٍ ظَنِّيًّا كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَأَمَّا إذَا خُصَّ الْحَطَبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015