مَالِكٌ: يُكْرَهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. لِلشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَخْلُو عَنْ جَنَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ اغْتِسَالًا يُخْرِجُهُ عَنْهَا، وَالْجُنُبُ يَجْنَبُ الْمَسْجِدَ، وَبِهَذَا يَحْتَجُّ مَالِكٌ، وَالتَّعْلِيلُ بِالنَّجَاسَةِ عَامٌّ فَيَنْتَظِمُ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْزَلَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي مَسْجِدِهِ وَهُمْ كُفَّارٌ» وَلِأَنَّ الْخُبْثَ فِي اعْتِقَادِهِمْ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ. وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحُضُورِ اسْتِيلَاءً وَاسْتِعْلَاءً أَوْ طَائِفِينَ عُرَاةً كَمَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

قَالَ (وَيُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخُصْيَانِ) ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي اسْتِخْدَامِهِمْ حَثُّ النَّاسِ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ وَهُوَ مُثْلَةٌ مُحَرَّمَةٌ

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ الْبَهَائِمِ وَإِنْزَاءِ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ) ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَهِيمَةِ وَالنَّاسِ. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَكِبَ الْبَغْلَةَ» فَلَوْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ حَرَامًا لَمَا رَكِبَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ فَتْحِ بَابِهِ.

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِعِيَادَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ بِرٍّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِلشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي حِلِّ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى مُدَّعَى الشَّافِعِيِّ: خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِالذِّكْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الدُّخُولِ خَاصٌّ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ " إنَّمَا " لِحَصْرِ الْحُكْمِ فِي الشَّيْءِ أَوْ لِحَصْرِ الشَّيْءِ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِنَا إنَّمَا الطَّبِيبُ زَيْدٌ، وَإِنَّمَا زَيْدٌ طَبِيبٌ اهـ.

أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ إنَّمَا لِحَصْرِ الْحُكْمِ فِي الشَّيْءِ أَوْ لِحَصْرِ الشَّيْءِ فِي الْحُكْمِ لَيْسَ بِكَلَامٍ مُفِيدٍ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ هَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَمْ لَا، لَا فِي أَنَّهُمْ نَجَسٌ أَمْ لَا، وَكَلِمَةُ إنَّمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] ، لَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] ، فَتَأْثِيرُ الْحَصْرِ الَّذِي تُفِيدُهُ كَلِمَةُ إنَّمَا هُوَ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهَا كَلِمَةُ إنَّمَا لَا فِي الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَخْلُو عَنْ جَنَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ اغْتِسَالًا يُخْرِجُهُ عَنْهَا، وَالْجُنُبُ يَجْنَبُ الْمَسْجِدَ) أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَوْ تَمَّ لَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْكَافِرُ شَيْئًا مِنْ الْمَسَاجِدِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْكَافِرِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ دُونَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الدَّلِيلُ مُلَائِمًا لِمَذْهَبِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مُنَاسِبًا لِمَذْهَبِ مَالِكٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْخُبْثَ فِي اعْتِقَادِهِمْ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ وَلَا وَجْهَ لَهُ، فَحَقُّ التَّعْبِيرِ حَذْفُ حَرْفِ التَّعْلِيلِ لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى دَفْعِ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ أَنْزَلَهُمْ فِي مَسْجِدِهِ، وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِمْ أَنْجَاسًا انْتَهَى.

أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِشَيْءٍ، إذْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ أَنْ يَكُونَ هَذَا دَلِيلًا آخَرَ عَقْلِيًّا لَنَا. فَإِنَّ الْخُبْثَ إذَا كَانَ فِي اعْتِقَادِهِمْ لَا يُؤَدِّي إلَى تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ فَلَا يَكُونُ فِي دُخُولِهِمْ الْمَسْجِدَ بَأْسٌ لَا مَحَالَةَ، فَقَوْلُ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَلَا وَجْهَ لَهُ تَحَكُّمٌ بَحْتٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَوْنُهُ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَى أُصُولِ الْمُدَّعَى لَا يُنَافِي أَنْ يَتَضَمَّنَ الْجَوَابَ عَنْ أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ أَنْزَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي مَسْجِدِهِ، وَهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِمْ نَجَسًا. كَمَا حَكَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَنْزَلَهُمْ فِي مَسْجِدِهِ وَضَرَبَ لَهُمْ خَيْمَةً، قَالَتْ الصَّحَابَةُ: قَوْمٌ أَنْجَاسٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ أَنْجَاسِهِمْ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا أَنْجَاسُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ» وَمِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجْعَلُ كَثِيرًا مَا عِلَّةَ النَّصِّ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَقْلِيًّا عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إفَادَةً لِلْفَائِدَتَيْنِ مَعًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ.

نَعَمْ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَالتَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، فَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحُضُورِ اسْتِيلَاءً إلَى آخِرِهِ

(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخُصْيَانِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَالْخُصْيَانُ بِضَمِّ الْخَاءِ جَمْعُ خَصِيٍّ كَالثُّنْيَانِ جَمْعُ ثَنِيٍّ، وَتَبِعَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَقُولُ: مَا ذَكَرَاهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015