قَالَ (الذَّكَاةُ شَرْطُ حِلِّ الذَّبِيحَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَلِأَنَّ بِهَا يَتَمَيَّزُ الدَّمُ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمُ الطَّاهِرُ. وَكَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحِلُّ يَثْبُتُ بِهِ الطَّهَارَةُ فِي الْمَأْكُولِ وَغَيْرُهُ، فَإِنَّهَا تُنْبِئُ عَنْهَا. وَمِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» وَهِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ كَالْجُرْحِ فِيمَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَاضْطِرَارِيَّةٌ وَهِيَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنُ. وَالثَّانِي كَالْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَوَّلِ.
وَهَذَا آيَةُ الْبَدَلِيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعْمَلُ فِي إخْرَاجِ الدَّمِ وَالثَّانِيَ أَقْصَرُ فِيهِ، فَاكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَوَّلِ، إذْ التَّكْلِيفُ بِحَسْبِ الْوُسْعِ. وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ إمَّا اعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ، وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَلْزَمُهُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَانِعًا لَا مُسْتَدِلًّا فَلَا مَحَلَّ لِنَظَرِهِ أَصْلًا (قَوْلُهُ قَالَ الذَّكَاةُ شَرْطُ حِلِّ الذَّبِيحَةِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ وَضْعِ الْكِتَابِ. لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَفْظَ قَالَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَهُنَا لَمْ تَقَعْ الْإِشَارَةُ إلَى أَحَدِهِمَا، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبِدَايَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُورِدَ لَفْظَ قَالَ أَوْ يَقُولُ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ مُشِيرًا بِهِ إلَى نَفْسِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: قُلْت هَذَا تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ لَفْظَةَ قَالَ بِإِضْمَارِ الْفَاعِلِ وَأَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ، فَهَذَا أَيْضًا مِثْلُهُ، وَلَا يَلْزَمُ تَعْيِينُ الْفَاعِلِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ عِنْدَ إسْنَادُ الْقَوْلِ إلَى الْقُدُورِيِّ أَوْ مُحَمَّدِ بْنُ الْحَسَنِ لَمْ يُصَرِّحْ بِفَاعِلِهِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ إسْنَادِهِ إلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَخْفَى هَذَا إلَّا عَلَى مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ مَسَائِلَ الْقُدُورِيِّ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَهُمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْخَوْضَ فِي الْهِدَايَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: الْحَقُّ مَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَوْلِ الْعَيْنِيِّ ذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ لَفْظَةَ قَالَ بِإِضْمَارِ الْفَاعِلِ وَأَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ، إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ مُشِيرًا بِهَا إلَى نَفْسِهِ فَهُوَ فِرْيَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ، فَإِنَّهُ إذَا ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ يُشِيرُ بِهَا إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ عَلَى الِاطِّرَادِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي غَيْرِ أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ مُشِيرًا بِهَا إلَى نَفْسِهِ فَهُوَ وَاقِعٌ، وَلَكِنْ إذَا ذَكَرَهَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ كَأَنْ يَقُولَ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْقَدِيمَةِ أَوْ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْجَدِيدَةِ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذِكْرُ لَفْظَةِ قَالَ وَحْدَهَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ قَطُّ، وَهَذَا غَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ لَهُ دَارِيَةٌ بِأَسَالِيبِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ مُكَابِرٌ فِيمَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَإِنَّ حُكْمَ مَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَهُ