وَالْمُسَاقَاةُ: هِيَ الْمُعَامَلَةُ وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمُزَارَعَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُعَامَلَةُ جَائِزَةٌ، وَلَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ إلَّا تَبَعًا لِلْمُعَامَلَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْمُضَارَبَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ أَشْبَهُ بِهَا لِأَنَّ فِيهِ شَرِكَةً فِي الزِّيَادَةِ دُونَ الْأَصْلِ. وَفِي الْمُزَارَعَةِ لَوْ شَرَطَا الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ دُونَ الْبَذْرِ بِأَنْ شَرَطَا رَفْعَهُ مِنْ رَأْسِ الْخَارِجِ تَفْسُدُ، فَجَعَلْنَا الْمُعَامَلَةَ أَصْلًا، وَجَوَّزْنَا الْمُزَارَعَةَ تَبَعًا لَهَا كَالشُّرْبِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَالْمَنْقُولِ فِي وَقْفِ الْعَقَارِ، وَشَرْطُ الْمُدَّةِ قِيَاسٌ فِيهَا لِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَعْنًى كَمَا فِي الْمُزَارَعَةُ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ يَجُوزُ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ، لِأَنَّ الثَّمَرَ لِإِدْرَاكِهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَقَلَّمَا يَتَفَاوَتُ وَيَدْخُلُ فِيمَا مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ، وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرَّطْبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ، لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا خَرِيفًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِ خَيْبَرَ. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ: وَهِيَ يَعْنِي الْمُزَارَعَةَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: جَائِزَةٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» انْتَهَى وَكَأَنَّ كُلًّا مِنْ فَرِيقَيْ الشُّرَّاحِ اطَّلَعَ عَلَى مَا فِي كَلَامِ الْآخَرِ مِنْ الْخَلَلِ حَيْثُ تَرَكَ مَا أَخَلَّ بِهِ الْآخَرُ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَالْمُسَاقَاةُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالْمُسَاقَاةُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمَفْهُومُهَا اللُّغَوِيُّ هُوَ الشَّرْعِيُّ، وَهِيَ مُعَاقَدَةُ دَفْعِ الْأَشْجَارِ وَالْكُرُومِ إلَى مَنْ يَقُومُ بِإِصْلَاحِهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ سَهْمٌ مَعْلُومٌ مِنْ ثَمَرِهَا انْتَهَى، وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُعَامَلَةِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَفِي الشَّرْعِ عَقْدٌ عَلَى دَفْعِ الشَّجَرِ إلَى مَنْ يُصْلِحُهُ بِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرِهِ، وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: فَمَفْهُومُهَا اللُّغَوِيُّ أَعَمُّ مِنْ الشَّرْعِيِّ لَا عَيْنَهُ كَمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِوَارِدٍ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعَامَلَةِ فِي قَوْلِهِ الْمُسَاقَاةُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ الْمَعْهُودَةُ بَيْنَ النَّاسِ الْمُسَمَّاةُ بِالْمُسَاقَاةِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ مُعَاقَدَةُ دَفْعُ الْأَشْجَارُ وَالْكُرُومِ إلَى مَنْ يَقُومُ بِإِصْلَاحِهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ سَهْمٌ مَعْلُومٌ مِنْ ثَمَرِهَا.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مُطْلَقَ الْمُعَامَلَةِ الشَّامِلَةِ لِمِثْلِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ حَتَّى يَكُونَ مَفْهُومُهَا اللُّغَوِيُّ أَعَمَّ مِنْ مَفْهُومِهَا الشَّرْعِيِّ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُهُ الْمُسَاقَاةُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى كُلِّ مُعَامَلَةٍ، بَلْ إنَّمَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى مُعَامَلَةٍ مَخْصُوصَةٍ مَعْهُودَةٍ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَدْ اعْتَرَفَ ذَلِكَ الرَّادُّ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُعَامَلَةِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومُهَا اللُّغَوِيُّ أَعَمَّ مِنْ الشَّرْعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى
(قَوْلُهُ وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمُزَارَعَةِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: يَعْنِي شَرَائِطَهَا هِيَ الشَّرَائِطُ الَّتِي ذُكِرْت لِلْمُزَارَعَةِ انْتَهَى أَقُولُ: فِي هَذَا التَّفْسِيرِ خَلَلٌ، لِأَنَّ الشَّرَائِطَ الَّتِي ذُكِرَتْ لِلْمُزَارَعَةِ لَيْسَ كُلُّهَا شَرْطًا لِلْمُسَاقَاةِ، فَإِنَّ شَرَائِطَ الْمُسَاقَاةِ أَرْبَعَةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ