كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَاطِلَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لُغَةً: مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: هِيَ عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ. وَهِيَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: هِيَ جَائِزَةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ»
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصْلُحُ لِإِفَادَةِ الْمُدَّعِي بِالِاسْتِقْلَالِ بَدَلًا عَنْ الْأُخْرَى، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ بَيَانُ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ مُوَصِّلَةٍ إلَى الْمَطْلُوبِ لِيَسْلُكَ الطَّالِبُ أَيَّ طَرِيقٍ شَاءَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ بِإِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ الْمُتَفَرِّقَيْنِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يُفِيدَ شَيْءٌ مِنْهَا الْمُدَّعِيَ فِي مَقَامِهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ حُصُولِ الْمَطْلُوبِ بِجُزْءِ الْعِلَّةِ، عَلَى أَنَّ اسْتِقْلَالَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي الْإِفَادَةِ بَيِّنٌ، أَمَّا قِلَّةُ التَّفَاوُتِ فَلِأَنَّ الْقَلِيلَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فِي عَامَّةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَأَمَّا ضَرُورَةُ تَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ فَلِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَصْنَعُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ: وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّسَامُحُ فِي الْخِدْمَةِ إلَى آخِرِهِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ وَجْهٌ آخَرُ لِإِبْطَالِ الْقِيَاسِ، وَكَذَا فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ، فَهَلْ يُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءَ الْعِلَّةِ لَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ]
(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ) لَمَّا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ الْأَرْضِ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةُ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ فِيهِ الْقِسْمَةُ ذَكَرَ الْمُزَارَعَةَ عَقِيبَ الْقِسْمَةِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَاطِلَةٌ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ لِيُبَيِّنَ مَحَلَّ النِّزَاعِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ أَصْلًا أَوْ عَيَّنَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً كَانَتْ فَاسِدَةً بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ بِالنِّصْفِ وَبِالْخُمُسِ وَبِغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُسُورِ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَيْضًا فَكَيْفَ يَتَبَيَّنُ بِالتَّقْيِيدِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ مَحَلُّ النِّزَاعِ؟ فَالْوَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي سَائِرِ الشُّرُوحُ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عِنْدَهُ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ فَقِيلَ: وَمَا الْمُخَابَرَةُ؟ قَالَ: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ» وَإِنَّمَا خَصَّ فِي الْحَدِيثِ بِذَلِكَ لِمَكَانِ الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِذَلِكَ التَّقْدِيرِ انْتَهَى، وَاَلَّذِي يُمْكِنُ فِي تَوْجِيهِ مَا فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِقَوْلِهِ إنَّمَا قَيَّدَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ مُقَابَلَةَ التَّقْيِيدِ بِالْإِطْلَاقِ لَا مُقَابَلَةَ التَّقْيِيدِ بِالتَّقْيِيدِ: يَعْنِي أَنَّهُ قَيَّدَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَلَمْ يُطْلِقْ عَنْ الْقَيْدِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا أَنَّهُ قَيَّدَ بِهَذَا الْقَيْدِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ الثُّلُثُ وَالرُّبُعُ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِقَيْدٍ آخَرَ