وَقِيلَ قَوْلُ الْكُلِّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْحِفْظِ فِي الْعَقَارِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَقِسْمَةُ الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِهِ وَلَا مِلْكَ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ قَالَ (وَإِذَا حَضَرَ وَارِثَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهَا الْقَاضِي بِطَلَبِ الْحَاضِرِينَ وَيُنَصِّبُ وَكِيلًا يَقْبِضُ نَصِيبَ الْغَائِبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْغَائِبِ صَبِيٌّ يَقْسِمُ وَيُنَصِّبُ وَصِيًّا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ) لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ أَيْضًا خِلَافًا لَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ (وَلَوْ كَانُوا مُشْتَرِينَ لَمْ يَقْسِمْ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمْ) وَالْفَرْقُ أَنْ مِلْكَ الْوَارِثِ مِلْكُ خِلَافَةٍ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُورِثُ أَوْ بَاعَ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُورِثِ فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمِينَ.
أَمَّا الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِالشِّرَاءِ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ وَقِيلَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْحِفْظِ فِي الْعَقَارِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَقِسْمَةَ الْمَلِكِ تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِهِ وَلَا مِلْكَ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ) يَعْنِي أَنَّ الْقِسْمَةَ نَوْعَانِ: قِسْمَةٌ لِحَقِّ الْمِلْكِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَقِسْمَةٌ لِحَقِّ الْيَدِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ، وَالثَّانِي فِي الْعَقَارِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَتَعَيَّنَ قِسْمَةُ الْمِلْكِ وَقِسْمَةُ الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِ الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ هَذَا التَّقْرِيرَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْقِسْمَةُ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ فِيمَا إذَا ادَّعَوْا الشِّرَاءَ أَيْضًا فِي الْعَقَارِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِيهِ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ بِالِاتِّفَاقِ.
وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنْ لَا تَجُوزَ الْقِسْمَةُ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا فِيمَا إذَا ادَّعَوْا الْإِرْثَ فِي الْعَقَارِ وَمَعَ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَيْضًا أَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِجَوَازِهَا فِيهِ بِمُجَرَّدِ اعْتِرَافِهِمْ ثُمَّ أَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ وَلَا مِلْكَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا مِلْكَ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ لِانْتِقَاضِهِ بِصُورَةِ ادِّعَائِهِمْ الشِّرَاءَ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ، وَبِصُورَةِ ادِّعَائِهِمْ الْإِرْثَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ آنِفًا، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ فِي دَعْوَاهُمَا: أَيْ لَمْ يَدَّعِيَا الْمِلْكَ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لَهُ أَصْلًا فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، بَلْ إنَّمَا ادَّعَيَا أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ رِوَايَةِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا هُنَاكَ صَرِيحَ الْمِلْكِ فَافْتَرَقَتَا فَحِينَئِذٍ لَا انْتِقَاضَ بِالصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِأَنَّهُمْ ادَّعَوْا فِيهِمَا سَبَبَ الْمِلْكِ مِنْ الْإِرْثِ أَوْ الشِّرَاءِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْوَضْعِ فَمَوْضُوعُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا الْمِلْكَ ابْتِدَاءً وَمَوْضُوعُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا الْيَدَ ابْتِدَاءً،